الوجه السادس والثلاثون: أن
ما أثبتوه من الصفات، جاء به الكتاب والسنة، واتفق عليه سلف الأمة وأئمتها، وقد تقول طوائف: إن العقل أيضا يوجب ثبوت أصل هذه الصفات، وإن لم يثبتها مفصلة، كما أنه في العلو يعلم علوه، لكن لا يعلم
[ ص: 349 ] كيفيته وما نفوه من كون الخالق ليس داخل العالم، ولا خارجه، جاء فيه الإثبات في الكتاب والسنة، واتفق عليه سلف الأمة وأئمتها، مع حكم العقل الصريح به، فهم في كلا الموضعين آمنوا بالله وكتبه ورسله، وأقروا ما شهدت به الفطرة، وما علمه العقل الصريح، وأقروا بموجب السمع والعقل، ولم يكونوا من أصحاب النار الذين يقولون:
لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير [الملك: 10] فأين هذا ممن خالف صريح العقل، بإثبات موجود لا داخل العالم، ولا خارجه، وخالف مع ذلك الكتاب والسنة، وإجماع سلف الأمة وأئمتها، ونفى مع ذلك الصفات التي أثبتتها النصوص المتواترة، والإجماع السلفي، وعلم فساد نقيضها بالعقل الصريح أيضا، بأن الله لا مثل له، وأن حقيقته مخالفة لحقيقة العالم؟! كما أنه قد يحصل العلم بأنه ليس مماثلا للخلق، بل مخالف له، قبل العلم بأنه مباين للعالم، ممتاز عنه منفرد; فإن «باب الكيف» غير «باب الكم» و «باب الصفة» غير «باب القدر». وإذا كانت
[ ص: 350 ] المباينة بالقدر والجهة تعلم بدون هذه، علم أنها أيضا ثابتة، وإن كانت تلك أيضا ثابتة، وأنه مباين للخلق بالوجهين جميعا; بل المباينة بالجهة والقدر أكمل، فإنها تكون لما يقوم بنفسه، كما تكون لما يقوم بغيره; لأن عدم قيامه بنفسه، يمنع أن يكون له قدر، وحيز وجهة، على سبيل الاستقلال، ومن هنا تبينا: