الوجه الثالث عشر: أن يقال: أي المتكلمين سلم له في هذا الباب قانون واحد لم يتناقض فيه؟ وأيهم الذي ما قيل عنه أو ثبت عنه أنه متناقض في النفي والإثبات؟! أعني إثبات الجسم، أو بعض ملازمه، ومن المعلوم أن إثبات الملزوم بدون اللازم، أو نفي اللازم بدون الملزوم متناقض ممتنع، وما من
[ ص: 351 ] هؤلاء إلا من يلزم بهذا التناقض.
فهؤلاء أوسط المتكلمين، وهم المتكلمة الصفاتية الموافقون لأهل السنة والجماعة في الأصول الكبار من
الكلابية، والكرامية، والأشعرية، ومن دخل في شيء
[ ص: 352 ] من ذلك من الفقهاء
الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنبلية، وأهل الحديث،
والصوفية، يقول عنهم نظراؤهم وأشكالهم أنهم متناقضون، كما يقول ذلك مخالفوهم من
المعتزلة والرافضة والجهمية المحضة وغيرهم .
وأما تناقض هؤلاء وتهافتهم فأضعاف ذلك، دع
تناقض المتفلسفة وتهافتهم، فإن ذلك لا يحصيه إلا الله.
فمتأخرو الأشعرية يقولون: إن [قدماءهم] متناقضون في قولهم: إن الله تعالى فوق العرش مع نفي كونه جسما، ويقولون: إنهم متناقضون في إثبات الصفات الخبرية مع نفي الجسم أيضا.
ومتقدموهم مع سائر الطوائف من النفاة يقولون: [إن ما يقوله] متأخروهم: إن من أقر بالرؤية ونفى أن يكون فوق
[ ص: 353 ] العرش فهم متناقض.
ويقول عامة الناس: إن الإقرار برؤية مرئي لا يواجه البصر متناقض.
ويقول طوائف من المثبتة والنفاة: إن الإقرار بوجود جسم فوق العالم ليس بممتد في الجهات -كما يقوله من يقوله من
الكرامية وموافقيهم- متناقض.
(ويقول طوائف من النفاة والمثبتة: إن الإقرار بذي علم وقدرة وسمع وبصر وإرادة لا يكون بقائم بنفسه متميزا عن غيره بالجهة متناقض معلوم الفساد بالضرورة).
ويقول طوائف من النفاة والمثبتة بل جمهور الخلق: إن الإقرار بمن هو عالم سميع بصير قدير لا يكون قائما بنفسه متميزا بالجهة عن غيره متناقض ممتنع.
ويقول هؤلاء وأكثر منهم: إن الإقرار بموجود قائم بنفسه مباين له وليس في جهة متناقض ممتنع.
ويقول جماهير بني آدم: إن الإقرار بحي عالم قادر سميع بصير، لا علم له ولا قدرة ولا حياة ولا سمع ولا بصر متناقض متهافت.
[ ص: 354 ] ويقول عامة بني آدم: إن الإقرار بموجود واجب بنفسه موجود في الخارج يكون موجودا مطلقا محضا مجردا عن المعينات والمخصصات من أظهر الأمور فسادا في بديهة العقل، لمن فهم ذلك، وأمثال هذا كثيرة لا يحصيها إلا الله تعالى.