الوجه الثالث والأربعون: أن هذا الذي حكيته عن هؤلاء الذين قلت: «أنهم التزموا الأجزاء والأبعاض»: غايته أنهم يثبتون ما هو الموصوف الذي تسميه جسما، وأنهم لا يجوزون عليه ما يجوز على الأجسام من الفناء والآفات، ومضمون ذلك
أنه جسم يمتنع عليه أن يوصف بما توصف به سائر الأجسام، بل هو مختلف عنها في الحقيقة. وكذلك ما ذكرته من «أنهم يصرحون متى تمسكوا بآية أو خبر يوهم ظاهره شيئا من الأعضاء والجوارح، بأنا نثبت هذا المعنى لله على خلاف ما هو ثابت للخلق، فأثبتوا لله وجها بخلاف وجوه الخلق، ويدا بخلاف أيدي الخلق» فهذا الذي ذكرته غايته أنهم يثبتون وجها ويدين مخالفا لوجوه الخلق وأيديهم: كما يقال: جسم لا كالأجسام. ومن أوضح المعلومات أن إثبات هذا ليس مما لا يقبله الوهم والخيال; بل الوهم والخيال من أعظم الأشياء قبولا لمثل هذا، كما تقدم تقريره غير مرة; فإن الوهم والخيال يتصور أنواعا من
[ ص: 361 ] الأجسام، كل جسم موصوف بضد صفات الآخر، وكل جسم يجوز عليه أو يمتنع ما لا يجوز على الآخر أو لا يمتنع. فيتصور الأجسام الموجودة. ويقدر ما ليس موجودا. وما يستحيل وجوده. فكيف يقال: إنه لا يقبل هذا؟!
يوضح هذا: