والكلام على ما ذكره من وجوه:
أحدها: أن من تأمل سياق هذه الأحاديث وما اتفقت عليه من المعاني وسياقها وما فيها من
الإخبار بأن الله يأمر كل من عبد غيره أن يتبع معبوده فيمثله له أنه إذا تميز الموحدون من غيرهم امتحنهم هل يعبدون غير الإله الذي رأوه أولا؟ فلما [ ص: 76 ] تثبتهم بالقول الثابت تجلى لهم في الصورة التي يعرفون فيسجدون له، ولما رفعوا رؤوسهم من السجود وجدوه قد تحول في الصورة التي رأوه فيها أول مرة، ثم إنهم يتبعونه بعد ذلك حتى يمروا على الصراط، علم بالاضطرار أن الذي يأتيهم في هذه الصورة هو رب العالمين نفسه، لا ملك من الملائكة ولا مجرد بعض آياته. ومن صرف مثل هذه الأحاديث وهذه الألفاظ الصريحة المنصوصة إلى ملك من الملائكة أو مجيء شيء من عذاب الله أو إحسان الله، فإنه مع جحده لما يعلم بالاضطرار من هذه الألفاظ قد فتح من باب القرمطة وتحريف الكلم عن مواضعه ما لا يمكن سده إذ يمكن بيان المخبر عنه بأعظم من هذا البيان التام، فمن جعل هذا محتملا لم يمكن قط أن يخبر أحد أحدا بشيء من الألفاظ المبينة لمراده قطعا، وهذا كله من أعظم السفسطة وجحد
[ ص: 77 ] الحسيات والضروريات التي لا يستحق جاحدها مناظرة؛ ولهذا كان السلف ينهون عن مجادلة أمثال هؤلاء
[ ص: 78 ] السوفسطائية القرامطة.