الوجه السابع والأربعون: أن
لفظ «الجسم» و«العرض» و«المتحيز» ونحو ذلك: ألفاظ اصطلاحية، وقد قدمنا غير مرة أن السلف والأئمة لم يتكلموا في ذلك، في حق الله لا بنفي ولا إثبات; بل بدعوا أهل الكلام بذلك، وذموهم غاية الذم، والمتكلمون بذلك من النفاة أشهر، ولم يذم أحد من السلف أحدا بأنه مجسم، ولا ذم المجسمة، وإنما ذموا
الجهمية النفاة لذلك وغيره، وذموا أيضا المشبهة الذين يقولون: صفاته كصفات المخلوقين. ومن أسباب ذمهم للفظ الجسم والعرض ونحو ذلك ما في هذه الألفاظ من الاشتباه ولبس الحق، كما قال الإمام أحمد: «يتكلمون بالمتشابه من الكلام، ويلبسون على جهال الناس بما يشبهون عليهم».
وإنما النزاع المحقق أن السلف والأئمة آمنوا بأن الله موصوف بما وصف به نفسه ووصفه به رسوله، من أن له علما وقدرة وسمعا وبصرا، ويدين ووجها وغير ذلك، والجهمية أنكرت ذلك، من المعتزلة وغيرهم.
ثم المتكلمون من أهل الإثبات لما ناظروا المعتزلة، تنازعوا
[ ص: 373 ] في الألفاظ الاصطلاحية: فقال قوم: العلم والقدرة ونحوهما لا تكون إلا عرضا وصفة حيث كان، فعلم الله وقدرته عرض. وقالوا أيضا: إن اليد والوجه لا تكون إلا جسما، فيد الله ووجهه كذلك; والموصوف بهذه الصفات لا يكون إلا جسما، فالله تعالى جسم لا كالأجسام. قالوا: وهذا مما لا يمكن النزاع فيه، إذا فهم المعنى المراد بذلك، لكن أي محذور في ذلك، وليس في كتاب الله ولا سنة رسوله ولا قول أحد من سلف الأمة وأئمتها، أنه ليس بجسم، وأن صفاته ليست أجساما وأعراضا؟ فنفي المعاني الثابتة بالشرع والعقل; بنفي ألفاظ لم ينف معناها شرع ولا عقل، جهل وضلال.