فإن قيل: الإضافة تقتضي المغايرة بين المضاف والمضاف إليه فلا يكون هو نفسه المضافة إليه.
قيل: لا نزاع بين أهل اللغة أنه يقال: رأيت زيدا نفسه وعينه، وهذا هو زيد نفسه وعينه، ونحو ذلك، والمغايرة في مثل هذا هو أن مسمى لفظ النفس والعين أعم من المضاف إليه، فإن النفس والعين لغيره أيضا، فإذا أضيف ذلك إليه خصصه بالإضافة والمغايرة، تارة تكون في الذات وتارة في الصفات في باب العطف، كقوله تعالى:
الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى والذي أخرج المرعى [الأعلى 2 - 4] فكذا في باب الإضافة، ومن هذا الباب قولهم: «ثوب خز» و«خاتم فضة»
[ ص: 467 ] ونحو ذلك.
وإن كان المضاف هو خز أو هو فضة لكان مسمى كل منهما أعم من مسمى الآخر، وإنما اختصا بالإضافة، فكذلك قول القائل: «نفسي» فيه اسمان، مظهر وهو هذه النفس، ومضمر وهو الياء، ومن المعلوم أن الأسماء المضمرة لا تدل على شيء من صفات المسمى إلا كونه متكلما أو مخاطبا أو غائبا، ونحو ذلك، فالياء تدل على أنه هو المتكلم، كما أن الهاء في قوله «بعته» تدل على أنه الغائب، وهذا المعنى مغاير لمسمى النفس.
وأما لفظ النفس فهو يقتضي من الصفات كالحياة والفعل ونحو ذلك ما ليس في الأسماء المضمرة، لكن لا يختص بذلك مضاف إليه دون آخر، وإذا أضيف ذلك إلى مضمر كان في لفظه من عموم المعاني ما ليس في المظهر والمضمر؛ إذ المضمر يدل على ذلك باللزوم، وفي المضمر من خصوص كونه متكلما وغائبا ما ليس في المظهر، وبالإضافة اختص المضاف بالمضاف إليه، فامتنع أن يكون المسمى نفسا غير نفسه.
وأيضا فذكر
لفظ النفس يدل على ثبوت الحكم للمسمى نفسه لا لأحد منسوب إليه، فإذا قيل: «كلمه الآمر نفسه» منع أن يكون الكلام بواسطة ترجمان أو رسول، وإذا قيل: «أنا
[ ص: 468 ] بنفسي جئت إليك» منع أن يكون أرسل إليه رسولا، فقوله:
واصطنعتك لنفسي [طه: 41] فيه ما ليس في قوله "اصطنعتك إلي" إذ الأشياء تضاف إلى الله تعالى على وجوه متنوعة، فقوله: «لنفسي» يوجب أنه جعله خاصا له، ومن المواضع ما لا يصلح فيها إلا هذا اللفظ، كما في قوله: «ذكرته في نفسي» فإنه لو قال: «ذكرته في» لم يكن من الكلام المعروف، بخلاف «ذكرته في نفسي» وأيضا ففي هذا من الدلالة على عدم الجهر ما ليس في غيره.
وأما من نفى خاصيتها ولم يثبت إلا عموم مسمى الذات فقد تقدم أن لفظ النفس لا يقال إلا لحي، ذي مقال وفعال، لا يقال لمن ليس كذلك، فكان في هذا اللفظ من المعاني ما ليس في غيره، فلا يجوز نفي ذلك، وهذه المادة (ن، ف، س) في لغة العرب تعطي الفعل والحياة، وسموا الدم نفسا؛ لأنه مادة حياة الأجسام الحيوانية، وهو حامل البخار الذي هو الروح الحيواني، ففيه الحياة والحركة؛ ولهذا أمر بسفحه من الحيوان وحرم
[ ص: 469 ] أكله؛ لأنه يولد على آكله البغي والاعتداء في القوة النفسانية.
وكذلك الهواء الداخل والخارج سموه نفسا؛ لما فيه من الحياة والحركة، وكذلك المتفلسفة يفرقون بين العقل والنفس بأن العقل مجرد عن المادة وعلائقها والنفس تتعلق بالجسم تعلق التدبير والتصريف.