الوجه الخامس: قوله:
«إن الصمد فعل بمعنى مفعول من صمد إليه أي قصده» يقال له: صيغة فعل في الصفات قد لا تكون بمعنى المفعول، بل تكون بمعنى الفاعل، كقولهم أحد وبطل، فلم قلت: إن «فعل» هنا بمعنى مفعول؟ وهلا تكون بمعنى الفاعل، وهو الصامد المتصمد في نفسه، وإن كان ذلك يستلزم أن يكون مقصودا لغيره، وهذا أرجح؛ لوجوه:
أحدها: أنه قرين لاسم الواحد؛ فإنه قال:
قل هو الله أحد الله الصمد [الإخلاص: 1 - 2] ومن المعلوم أن الأحد بمعنى الواحد المتوحد فكون الصمد بمعنى الصامد المتصمد أظهر في المناسبة والعدل والقياس والاعتبار.
الثاني: أن الفاعل هو الأصل؛ فإنه لا بد لكل فعل وصفة من فاعل، فكل صفة تستلزم فاعلا في الجملة، وأما المفعول فقد يكون وقد لا يكون، وإذا كان كذلك علم أن هذه الصفة لها فاعل ولم يعلم أن لها مفعولا، فيجب إثبات المتيقن وحذف المشكوك
[ ص: 554 ] فيه حتى يدل عليه دليل.
الثالث: أن المشركين وأهل الكتاب سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن نسب ربه وماهيته وجنسه فقالوا: «مم هو؟ ومن أي جنس هو؟ أمن ذهب، أم من نحاس هو، أم من صفر، أم من حديد، أم من فضة؟ وهل يأكل ويشرب؟ وممن ورث الدنيا؟ ولمن يورثها؟».
فأنزل الله هذه السورة، وهي نسبة الله خاصة، ومعلوم أن كونه بمعنى أنه مقصود إنما يدل على كونه بحيث يسأل ويدعى، وذلك يقتضي ثبوت ربوبيته وإلهيته، وليس فيه جواب عن مسألتهم التي هي سؤال عن صفته في نفسه.
فأما إذا قيل: «إنه الصمد الذي لا جوف له» كان في ذلك جواب عن أنه في نفسه صمد، لا يخرج من شيء ولا يخرج منه
[ ص: 555 ] شيء، ولا يتفرق، وهو مع ذلك أحد لا نظير له، فكان في ذلك دلالة على صفته الثبوتية، وهي الصمدية، وعلى عدم النظير المانع أن يكون له والد أو ولد، كما أن الأحد يمنع أن يكون له ما يماثله من أصل أو فرع أو نظير، فكان هذا المعنى جوابا لمسألتهم أنه ليس هو من شيء، ولا يخرج منه شيء، ولا هو من جنس شيء.