فصل
قال
الرازي: احتجوا بالآيات والأخبار والمعقول،
أما الآيات فكثيرة.
وقد ذكر منها أربع عشرة آية، أحدها قوله تعالى:
أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها [محمد: 24]. أمر الناس بالتدبر في القرآن، ولو كان القرآن غير مفهوم فكيف يأمرنا بالتدبر فيه؟
الثاني قوله تعالى:
أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا [النساء: 82]. فكيف يأمرنا بالتدبر فيه لمعرفة نفي التناقض والاختلاف، مع
[ ص: 219 ] أنه غير مفهوم للخلق.
الثالث: قوله تعالى:
وإنه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين [الشعراء: 192-195]. ولو لم يكن مفهوما فكيف يمكن أن يكون الرسول منذرا به؟
وأيضا قوله:
بلسان عربي مبين [الشعراء: 195]. يدل على أنه نازل بلغة العرب، وإذا كان كذلك وجب أن يكون معلوما.
الرابع: قوله تعالى:
لعلمه الذين يستنبطونه منهم [النساء: 83]. والاستنباط منه لا يكون إلا بعد الإحاطة بمعناه.
قلت: هذا المذكور في قوله تعالى:
وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم [النساء: 83]. ليس المراد به القرآن.
[ ص: 220 ] [ ص: 221 ] الخامس: قوله تعالى:
تبيانا لكل شيء [النحل: 89]. ونظيرهما:
ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء [يوسف: 111]. وأما قوله تعالى:
ما فرطنا في الكتاب من شيء [الأنعام: 38]. فهو بعد قوله تعالى:
وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون [الأنعام: 38]. ولهذا قال أكثر العلماء: إن الكتاب هنا هو اللوح المحفوظ، وهذا الكلام يقتضي أنه بين، لا يقتضي أن كل ما فيه مفهوم، فقد يقال: إن فيه هذا، وفيه هذا، لكل يقال: لما قصد به بيان كل شيء فبيانه نفسه وفهم معناه مقدم على غيره.
[ ص: 222 ]
قال السادس: قوله تعالى:
هدى للمتقين [البقرة: 2]. وما لا يكون معلوما لا يكون هدى.
السابع: قوله تعالى:
حكمة بالغة [القمر: 5]. وقوله تعالى:
وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين [يونس: 57]. وكل هذه الصفات لا تحصل في غير المعلوم.
الثامن: قوله تعالى:
قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين [المائدة: 15]. ولا يكون مبينا إلا أن يكون معلوما.
التاسع: قوله تعالى:
أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون [العنكبوت: 51]. فكيف يكون الكتاب كافيا؟ وكيف يكون ذكرى؟ مع أنه غير مفهوم.
العاشر: قوله تعالى:
هذا بلاغ للناس ولينذروا به [إبراهيم: 52]. فكيف يكون بلاغا؟ وكيف يقع الإنذار به وهو غير معلوم؟
وقوله في آخر الآية:
وليذكر أولو الألباب [ ص: 223 ] [إبراهيم: 52]. وإنما يكون كذلك أن لو كان معلوما.
الحادي عشر: قوله تعالى:
قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا [النساء: 174]. فكيف يكون برهانا ونورا مبينا مع أنه غير معلوم؟
الثاني عشر: قوله تعالى:
فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى [طه: 123-124]. فكيف يمكن اتباعه تارة والإعراض عنه أخرى مع أنه غير معلوم؟
الثالث عشر: قوله تعالى:
إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا [الإسراء: 9]. فكيف يكون هاديا مع أنه غير معلوم للبشر؟
الرابع عشر: قوله تعالى:
آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا [البقرة: 285]. والطاعة لا تكون إلا بعد العلم، فوجب كون القرآن مفهوما.