وكذلك الوجه الرابع:
(وهو أن التأويل يفتقر إلى تحصيل علوم كثيرة، والهدى ما حصل بالقرآن، لكن بهذه العلوم وضعت له محامل لئلا يضل به الناس).
وهؤلاء لا يقصدون بتأويل كلام المتكلم معرفة مراده، بل يقصدون بيان ما يحمله اللفظ كيف أمكن ليحمل عليه، وإن
[ ص: 250 ] لم يعلم ولا يظن أنه أراده، بل قد يعلم قطعا أنه لم يرده، ولهذا قالوا: إذا اختلف الصحابة على قولين جاز لمن بعدهم إحداث تأويل ثالث بخلاف الأحكام، فإنهم لا يجوزون إذا اختلفوا على قولين إحداث ثالث، لأن اتفاق الأمة على قولين إجماع على فساد ما عداهما، وهذا بعينه وارد في التأويل، فإنه إذا قالت طائفة: معنى الآية المراد كذا. وقالت طائفة: معناها كذا. فمن قال: معناها ليس واحدا منهما، بل أمر ثالث. فقد خالف إجماعهم، وقال: إن الطائفتين مخطئون.
فإن قيل: هؤلاء لا يقولون أريد، بل يقولون: يجوز أن يكون المراد. قيل: كلام الصحابة لم يكن بالاحتمال والتجويز، وبتقدير أن يكون كذلك فالاحتمالات إن كان أحدهما مرادا فلم يجمع على ضلال، وإن كان المراد هو الاحتمال الثالث المحدث بعدهم فلم يكن فيهما من عرف مراد الله تعالى، بل الطائفتان جوزت أن تريد غير ما أراد الله تعالى، وما أراده لم يجوزه، وهذا من أعظم الضلال.