الوجه السابع:
أن احتماله المعنيين إما أن يكون بالنسبة إلى عناية المتكلم وإرادته، وإما أن يكون بالنسبة إلى فهم المستمع وتصوره.
والأول باطل، فإن المتكلم الذي عنى باللفظ معنى لا يكون ذلك المعنى وغيره بالنسبة إليه سواء، بل ولا يحتمل اللفظ بالنسبة إليه إلا ما عناه وأراده به، لا يحتمل غير ذلك.
وإن كان بالنسبة إلى المستمع فهذا قد يكون لقصوره وعجزه ونقصه عن فهم اللفظ، وأما إن اقترن به ما يدل على مراد المتكلم فلا يكون كلام المتكلم يحتمل معنيين، لا على التساوي، ولا على الترجيح، وإذا كان كذلك فهذا ممكن، بل واقع في جميع الألفاظ، وكل خطاب قد يكون المستمع لنقصه لم يفهم المراد، بل هو وغيره محتمل على السواء، أو أحدهما راجحا، وعلى هذا فبقي كونه نصا،
[ ص: 396 ] وظاهرا، ومجملا، ومؤولا بالنسبة إلى شخص دون شخص، فمن عرف المراد جازما به لا يحتمل غيره عنده، فهو عنده نص، ومن ظهر له معنى وجوز غيره فهو عنده ظاهر، ومن كان هو وغيره عنده سواء في الاحتمال فهو مجمل عنده، ومن كان المراد عنده هو الاحتمال المرجوح فهو عنده مؤول، فهذه تقسيمات بالنسبة إلى فهم المستمعين، ليس تقسيمات للفظ بالنسبة إلى عناية المتكلم، ولا دلالة المستمع، وعلى هذا، فكل كلام عنى به صاحبه معنى صحيحا، ودل عليه، فهو محكم، وإن كان متشابها عند من لم يعرف دلالته، ولا يكون هذا التقسيم صفة لازمة للكلام، بل يجب أن يكون بعضه لا يكون إلا محكما، وبعضه لا يكون إلا متشابها.