الوجه التاسع:
أنه إذا كان المجمل والمؤول كل منهما لم يدل على المراد، ولم يفهم منه المراد، بل هما مشتركان في عدم الفهم للقدر المشترك، وهو هذا العدم تشابها، فيقال له: لا تشابه هنا إلا التشابه الإضافي، وهو كون المستمع اشتبه الأمر عليه، فلم يعرف المراد، لا أن هنا لفظين تشابها، وإنما يكون اللفظان المتشابهان إذا كان اللفظ يستعمل تارة في معنى وتارة في معنى آخر، وإن كان مع القرينة فهذا تشابه، فيكون القدر المشترك هو أن اللفظ يستعمل في المراد، وفي غير المراد، الذي لم يظهر منه المراد، ليس القدر المشترك عدم الرجحان، وهو المسمى بالمتشابه، بل التشابه أمر ثبوتي، وهو كون كل منهما يستعمل في المراد وفي غير المراد، فقد اشتبه
[ ص: 401 ] دلالته على المراد بدلالته على غير المراد، لا أن هذا العدم هو الاشتباه.
وقد قيل -أو قاله في موضع آخر-: إن ذلك يسمى متشابها، إما بأن الذي لا يعلم يكون النفي عنده مشابها للإثبات في الذهن، وإما لأجل أن الذي يحصل فيه التشابه يصير غير معلوم، فأطلق لفظ التشابه على ما لم يعلم؛ إطلاقا لاسم السبب على المسبب، فيقال: النفي لا يشتبه بالإثبات إلا لاشتباه دليل هذا بدليل هذا، وإذا عدم دليل كل منهما حصل في النفس شك، والاشتباه أخص من الشك، فليس كل من شك يكون هناك ما اشتبه عليه، وإنما يكون الاشتباه إذا وجد ما بينهما تشابه، وكذلك عدم العلم، لا يسمى عدم كل علم تشابها.
ومن لم يتصور المسألة ولم يعرفها هو جاهل بها، ولا يقال: اشتبه عليه، ومن لم يسمع الكلام لم يعرف مراد المتكلم ودلالة الكلام، ولا يقال: اشتبه عليه، فإن الاشتباه أخص، وإنما يكون الاشتباه عند وجود قدر مشترك حصل بسببه الاشتباه، كمن رأى شيئا من بعيد، واشتبه عليه، هل هو حيوان أو غيره؟ ومن رأى شيئا في السماء، واشتبه عليه، هل هو الهلال أو غيره؟ وأمثال ذلك، والله تعالى أعلم.
[ ص: 402 ]