الوجه الثاني: أن الناس مع الرسول صلى الله عليه وسلم إما شاهد له قد سمع كلامه، وإما غائب بلغه كلامه، فالمشاهدون له قد بين لهم مراده مع القول بتعيين ما أراده، فلما أمرهم بالصلاة والزكاة والصيام والحج بين لهم مسمى هذه الألفاظ، ولم يحوجهم في ذلك إلى أن يعرفوا مسمى هذه الألفاظ من كلام غيره، فلم يحتاجوا إلى نقل لغة غيره، ولا نفي احتمالات ولا نفي معارض، بل علموا مراده بهذه الألفاظ لما بينه لهم مع القول معرفة ضرورية، ونقلوا ذلك إلى من بعدهم نقلا يفيد اليقين.
[ ص: 472 ] والعلم أعظم من اليقين، والعلم بنفس ألفاظه، فحصل العلم لمن شاهده ولمن غاب عنه أعظم من ألفاظه.
وقد يكون في الذين شاهدوه من لم يسمع كلامه، لكنه علم مراده، وما أمر به، وما نهى عنه، ولم يسمع نفس اللفظ إما لبعده وإما لغيبته، وهو إنما يسأل عما أراده ليس له غرض في نفس اللفظ، فعلم المراد بالاضطرار، واللفظ لا يعرفه.