الوجه الخامس: أن قوله: إنه موقوف على نفي المجاز والاشتراك والإضمار والتخصيص، وقد يقول: والنقل. فيقال: هذا تكثير للمقدمات من غير حاجة، فهو كما لو قيل: موقوف على نفي مجاز الزيادة والنقص والاستعارة، فهذا تكثير بلا فائدة، بل يكفي أن يقال: على نفي احتمال آخر للفظ، سواء احتمل ذلك بطريق المجاز، أو الاشتراك، أو الإضمار.
والتخصيص نوع من المجاز، فإن اللفظ إما أن تكون دلالته على المعنيين سواء، فهو المشترك، وإما أن يكون هو بمجرده يدل على معنى، وبالقرينة يدل على معنى آخر، وهو المجاز، وهذا على رأي من يقول: إن في اللغة مجازا، وأما من نفى ذلك وقال: ما ثم إلا دلالة مطلقة أو مقيدة به، فالمطلق مقيد بالإطلاق، والمقيد مقيد بالقيد اللفظي، كما يقول: إن صيغة الأمر والنهي والعموم تدل عند تجردها على معنى الأمر والنهي والاستغراق، ومع القرينة على التخصيص أو التهديد، وبتجردها عن القرينة المخصصة إلى قرينة تبين المراد، فإذا قيل: اللفظ المجازي ما دل مع القرينة،
[ ص: 478 ] والحقيقة ما دل بمجرده، قيل: إن يعن التجريد والإطلاق من كل وجه فما في ألفاظ الكلام ما هو كذلك، بل كلها مقترنة بغيرها، فإن الكلام إما جملة اسمية، وإما جملة فعلية، وكل منهما أقل ما يأتلف من لفظين مفردين، وكل منهما مقترن بالآخر، ليس واحد منهما مجردا مطلقا عن جميع القرائن، وإن عني بالتجريد والإطلاق أن يكون مجردا عن بعض القرائن فهذا حق، وجميع الكلام يدل مع قرينة على معنى، ومع عدمها وقرينة أخرى على معنى آخر، حتى لفظ الإنسان، فإنه يقال: إنسان العين، والألفاظ التي هي صريحة في الأحكام مثل لفظ الطلاق والنكاح وغيرهما قد يقترن بها ألفاظ تزيل دلالتها باتفاق المسلمين، كما إذا قيل: أنت طالق من وثاق، فهذا لا يقع به الطلاق بالاتفاق، أو قال: يا دنيا غري غيري قد طلقتك ثلاثا، أو قال: ودي من ودك طالق، فهذا لا تطلق به الزوجة باتفاق المسلمين.
والكلام على مسمى الحقيقة مبسوط في مواضع أخر،
[ ص: 479 ]
والذي لا بد منه أن اللفظ إذا ما دل على معنى دلالة فلا بد أن ينفي احتماله لغير ذلك المعنى، وإذا جاز أن يراد به ذلك المعنى الآخر النافي لهذا المعنى لم تكن دلالته قطعية، لكن إذا علم المراد قطعا علم دلالة اللفظ عليه، ثم ذلك المعنى الآخر إن لم يكن منافيا لهذا المعنى لم تضر دلالة اللفظ عليه؛ إذ دل عليهما جميعا، وأما إن نافى هذه الدلالة كان ضدا للمعنى المراد، ومعلوم أن العلم بثبوت أحد الضدين ينفي العلم بثبوت الآخر، فنفس العلم بالمراد ينفي كل احتمال يناقض كل ذلك، وهكذا الكلام في نفي المعارض العقلي والسمعي، فإنه إذا علم المراد علم قطعا أنه لا ينفيه دليل آخر، لا سمعي ولا عقلي؛ لأن ذلك نقيض له، وإذا علم ثبوت الشيء علم انتفاء نقيضه قطعا.