الوجه السابع عشر: أن هذا وأمثاله يتناقضون، فتارة يقول: نحن نعلم انتفاء الظاهر، لكن لا نعلم المراد، وتارة يقول: بل الرسول صلى الله عليه وسلم خاطب العامة بما يوافق ما عندهم، فلو خاطبهم ابتداء بإثبات ما ليس بجسم ولا متحيز ولا يشار إليه قالوا: هذا عدم محض، فوقعوا في التعطيل، فكان الصلح أن يأتي بألفاظ دالة على بعض ما يناسب ما تخيلوه وما لزمهم، وهذا كلام من يريد من العامة فهم تلك المعاني، وهي باطلة في نفس الأمر عند هؤلاء، وعلى هذا فقد أراد
[ ص: 493 ] منهم فهم الباطل الذي دل عليه بلفظه، وهذه طريقة أهل التخييل الذين يقولون: أرادوا أن يتخيلوا ما ينفعهم، وإن لم يكن حقا.
وطريقة أهل التأويل نفي إرادة هذا المعنى، والجهل بما أراد، وهذا يناقض هذا، وهذا وأمثاله يتناقضون، فتارة يجعلونه هكذا، وتارة هكذا، في كلا الأمرين على الباطل، وقد نزه الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم عن أن يريد المعاني الباطلة، أو أن يقصر في بيان ما أراده، فالأول كذب وإضلال وتلبيس، وإظهار ما هو كذب، وإن قيل: إنه لم يقصد الكذب، بل الرسول كما أنه أعلم الخلق بالحق، فهو أنصحهم لهم، وأعظمهم رغبة في تعريفهم وتعليمهم وهداهم، وهو أحسنهم بيانا، وأتمهم برهانا، قال تعالى:
وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض ألا إلى الله تصير الأمور [ ص: 494 ] [الشورى: 52-53]. وقال تعالى:
فتوكل على الله إنك على الحق المبين [النمل: 79]. وقال تعالى:
قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين [يوسف: 108].
فإن قيل: فإذا كان ما ذكره فاسدا لا يحصل به الفرق، بل هو عزل القرآن بالكلية، فما الفرق بين المحكم والمتشابه؟