أما بعد فإني كنت سئلت من مدة طويلة، بعيد سنة تسعين وستمائة عن
الآيات والأحاديث الواردة في صفات الله، في فتيا قدمت من
حماة، فأحلت السائل على غيري، فذكر أنهم يريدون الجواب مني لا بد، فكتبت الجواب في قعدة بين الظهر والعصر، وذكرت فيه مذهب السلف والأئمة المبني على الكتاب والسنة، المطابق لفطرة الله التي فطر الناس عليها، ولما يعلم بالأدلة العقلية، التي لا تغليظ فيها، وبينت ما يجب من مخالفة
الجهمية المعطلة; ومن قابلهم من
المشبهة [ ص: 5 ] الممثلة، إذ
مذهب السلف والأئمة; أن يوصف الله بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل. قال
نعيم بن حماد [ ص: 6 ] الخزاعي: من شبه الله بخلقه فقد كفر، ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر، فليس ما وصف الله به نفسه ورسوله تشبيها.
وكان
السلف والأئمة، يعلمون أن مرض التعطيل، أعظم من مرض التشبيه، كما يقال: المعطل أعمى، والمشبه أعشى، والمعطل يعبد عدما، والمشبه يعبد صنما.
فكان كلامهم وذمهم للجهمية المعطلة أعظم من كلامهم وذمهم للمشبهة الممثلة، مع ذمهم لكلا الطائفتين. وحصل بعد ذلك من الأهواء والظنون ما اقتضى أن اعترض قوم على خفي هذه الفتيا بشبهات مقرونة بشهوات.
وأوصل إلي بعض الناس مصنفا لأفضل القضاة المعارضين،
[ ص: 7 ] وفيه أنواع من الأسئلة والمعارضات، فكتبت جواب ذلك وبسطته في مجلدات.
ثم رأيت أن هؤلاء المعترضين ليسوا مستقلين بهذا الأمر، استقلال شيوخ الفلاسفة والمتكلمين، فالاكتفاء بجوابهم لا يحصل ما فيه المقصود للطالبين، وآثار الكلام فيها الشبه المعارضة لما أنزل الله من الكتاب، حتى صارت السنة تضل ما شاء الله من الفضلاء، أولي الألباب في هذا الباب، وحصل من الاشتباه والالتباس، ما أوجب حيرة أكثر الناس، واستشعر المعارضون لنا، أنهم عاجزون عن المناظرة، التي تكون بين أهل العلم والإيمان، فعدلوا إلى طريق أهل الجهل والظلم والبهتان، وقابلوا أهل السنة بما قدروا عليه من البغي باليد عندهم واللسان، نظير ما فعلوه قديما من الامتحان.
[ ص: 8 ]