قال الشيخ
[ ص: 141 ] nindex.php?page=showalam&ids=14228أبو سليمان الخطابي في "كتاب شعار الدين" (أما بعد: فإن أخا من إخواني سألني
بيان ما يجب على المسلمين علمه، ولا يسعهم جهله من أمر الدين وشرح أصوله: في التوحيد، وصفات الباري تعالى، والكلام في القضاء والقدر والمشيئة، والدلالة على نبوة
محمد صلى الله عليه وسلم، وبيان إعجاز القرآن، والقول في ترتيب الصحابة -رضي الله عنهم أجمعين-، وما يتصل به من الكلام، وطلب إلي أن أورد في كل شيء منها أوضح ما أعرفه من الدلالة، وأقربها من الفهم، لينتفع به من لا يرضى بالتقليد في ما يعتقده من أصول الدين، وكان مع ذلك ممن لا يحب النظر في الكلام، ولا يجرد القول على مذهب المتكلمين ) وذكر تمام الكلام، وذكر عدة أصول من الاستدلال بخلق الإنسان، والاستدلال بتركيب المتضادات وتأليفها، والاستدلال بما في الوجود من الحكمة الغائية الذي يسميه
ابن رشد "دليل
[ ص: 142 ] العناية" الدال على الإرادة والرحمة والعناية الدال على الصانع -إلى أن قال: (وطرق الاستدلال كثيرة إلا أنا اخترنا منها في الكتاب ما هو أقرب إلى الأفهام وأشبه بمذاهب السلف والعلماء، وقد أنزل الله تعالى كتابه على رسوله صلى الله عليه وسلم، وحاج به قومه وهم عرب ليسوا بفلاسفة ولا متكلمين، وإنما خاصمهم بما يفهمه أولو العقول الصحيحة، ويستدركه ذوو الطباع السليمة وتشهد له المعارف، وتجري به العادات القائمة، فما قامت الحجة عليه كان في الاستدلال على
إثبات الصانع وحدوث العالم ).
قال: (وقد أبى متكلمو زماننا هذا إلا الاستدلال بالأعراض وتعلقها بالجواهر وانقلابها فيها، وزعموا أنه لا دلالة أقوى من ذلك ولا أصح منه. ونحن وإن كنا لا ننكر
[ ص: 143 ] الاستدلال بهذا النوع من الدلالة فإن الذي نختاره ونؤثره هو ما قدمنا ذكره؛ لأنه أدلة اعتبار طريق السلف من علماء أمتنا، وإنما سلك
المتكلمون في الاستدلال بالأعراض مذهب
الفلاسفة وأخذوه عنهم، وفي الأعراض اختلاف كثير: فمن الناس من ينكرها ولا يثبتها رأسا. ومنهم من لا يفرق بينها وبين الجواهر في أنها قائمة بأنفسها كالجواهر، والاستدلال لا يصح بها إلا بعد استبراء هذه الشبهة. وطريقنا الذي سلكناه بريء من هذه الآفات، سليم من هذه الريب ).
قال: (وقد سلك بعض مشايخنا في هذا طريقة الاستدلال بمقدمات النبوة ومعجزات الرسالة؛ لأن دلائلها مأخوذة من طريق الحس لمن شاهدها، ومن طريق استفاضة الخبر لمن غاب عنها، فلما ثبتت النبوة صارت أصلا في وجود قبول ما دعا إليه صلى الله عليه وسلم. وهذا النوع مقنع في الاستدلال لمن لا يتسع فهمه لاستدراك وجوه سائر الأدلة، ولم يتبين تعلق الأدلة بمدلولاتها، ولن يكلف الله نفسا إلا وسعها )
[ ص: 144 ]
قلت: هذه الطريق يستدل صاحبها بالنبوة على حدوث العالم؛ لأن معرفة الصانع تعلم بدون ذلك إما بالأدلة الأخر، وإما بالفطرة. وصدق الرسول مبني على مقدمات ضرورية قريبة أو نظرية قريبة من الضرورية، ثم يستدل بقوله على حدوث العالم. فالخطابي في هذه الطريق ذكر أن طريقة الأعراض غير منكرة عنده، ولكنه كرهها، ورغب عنها إلى ما ذكر أنه طريق السلف؛ لأنها بدعة، ولأن فيها آفات.
وقد قال في رسالته في "الغنية عن الكلام وأهله" كلاما أشد من هذا، وبين أنها محرمة -كما ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=13711الأشعري في رسالته إلى
أهل الثغر - فقال
nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي في هذه الرسالة: