قال: (
وأما "الصوفية" فطرقهم في النظر ليست طرقا نظرية -أعني مركبة من مقدمات وأقيسة- وإنما يزعمون أن المعرفة بالله وبغيره من الموجودات شيء يلقى في النفس [ ص: 158 ] عند تجردها من العوارض الشهوانية، وإقبالها بالفكرة على المطلوب، ويحتجون لتصحيح هذا بظواهر من الشرع كثيرة، مثل قوله تعالى:
واتقوا الله ويعلمكم الله [البقرة: 282 ] ومثل قوله تعالى:
والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين [العنكبوت: 69 ] ومثل قوله تعالى:
إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا [الأنفال: 29 ] إلى أشياء كثيرة في الشرع يظن أنها عاضدة لهذا المعنى.
ونحن نقول: إن هذه الطريقة ليست عامة للناس بما هم ناس، ولو كانت هذه الطريقة هي المقصودة بالناس لبطلت طريقة النظر، ولكان وجودها في الإنسان عبثا، والقرآن كله إنما هو دعاء إلى النظر والاعتبار، وتنبيه على طرق النظر. نعم لسنا ننكر أن تكون إماتة الشهوات شرطا في صحة النظر، مثل ما تكون الصحة شرطا في ذلك؛ لا أن إماتة الشهوات هي التي تفيد المعرفة بذاتها
[ ص: 159 ] وإن كانت شرطا فيها، كما أن الصحة شرط في التعلم وإن كانت ليست مفيدة له. ومن هذه الجهة دعا الشرع إلى هذه الطريقة وحث عليها في جملة ما حث الله على العمل، لا أنها كافية بنفسها كما ظن القوم؛ بل إن كانت نافعة في النظرية فعلى الوجه الذي قلنا، وهذا بين عند من أنصف واعتبر الأمر بنفسه ).