فهكذا ما ذكروه عن
"السمنية" إنما كان أصل قولهم: إن الموجود لا بد أن يمكن أن يكون محسوسا بإحدى الحواس؛ لا أنه لا بد لمن أقر به أن يحس به. وهذا الأصل الذي قالوه عليه [أهل ] الإثبات،
فإن أهل السنة والجماعة المقرين بأن الله تعالى يرى متفقون على أن ما لا يمكن معرفته بشيء من الحواس فإنما يكون معدوما لا موجودا.
[ ص: 342 ]
فكان حق
nindex.php?page=showalam&ids=15658الجهم أن يقول لهم: إن أردتم أني لا بد أن أحس بإلهي فلا يجب عندكم أن ينكر الإنسان ما لم يحسه هو؟ وإن أردتم أنه لا بد أن يمكن أن يحس به فإلهي يمكن أن يرى وأن يسمع كلامه. وإن أردتم أنه لا بد أن يكون قد عرفه بالحس بعض الآدميين فهذا مع أنه غير واجب فقد سمع كلامه من سمعه من الرسل، وهو أحد الحواس، وقد رآه بعضهم أيضا عند كثير من أهل الإثبات وكان يقول لهم: أتريدون أنه
[ ص: 343 ] لا بد أن يحسه هذا الحس الظاهر أم يكفي إحساس الباطن إياه وشهوده إياه؟ الأول منقوض بأحوالنا الباطنة الجسمانية والنفسانية. وأما الثاني فمسلم، وقد شهدته بعض القلوب.
[ ص: 344 ]
فعدل عن ذلك وادعى وجود موجود لا يمكن إحساسه وهو الروح، وهذا هو قول "المتفلسفة المشائين" فيها، وحجته هذه من جنس حجة
أبي عبد الله الرازي لما ادعى جواز وجود موجود لا يمكن إحساسه ولا يكون داخل العالم ولا خارجه، واحتج على ذلك بقول هؤلاء المتفلسفة ومن وافقهم في العقول والنفوس، ويقول بقولهم وقول من وافقهم من متكلمي المسلمين في النفوس الناطقة.
nindex.php?page=showalam&ids=15658فجهم أول هؤلاء
[ ص: 345 ] ومقدمهم الأول؛ ولهذا ألزمته هذه الحجة أن يصف الرب تعالى وتقدس من الحلول والاتحاد بنحو مما قالته النصارى في
المسيح، لكن أولئك خصوه
بالمسيح، والجهمية تطلقه في الموجودات
–فقولهم: في كل مكان. نظير قول النصارى: أنه حال في المسيح .