[ ص: 387 ] قلت: ليس هذا موضع بسط الكلام على هذا، فإن قوله:
"المائية تقتضي الجنس" إنما يعني أن يكون له ما يجانسه أي يماثله في حقيقته؛ وليس الأمر كذلك؛ فإن من أثبت له مائية وهي الحقيقة التي تخصه ويمتاز بها عن غيره لم يلزمه أن تكون تلك المائية من جنس المائيات، كما أن الذين يطلقون عليه اسم الذات لا يلزمهم أن تكون ذاته من جنس سائر الذوات، وإن فسر ذلك بثبوت قدر ما يتفقان فيه، فهذا لا بد منه على كل تقدير. ولفظ الجنس فيه عدة اصطلاحات، فإن فسر بما يوجب مثلا لله فهو منتف عنه، وإن فسر بالحد اللغوي الذي هو مدلول "الأسماء المتواطئة" و "المشككة"، كما في اسم
[ ص: 388 ] الحي والعليم والقدير ونحو ذلك من الأسماء فهذا لا بد منه باتفاق أهل الإثبات، والنزاع في ذلك معروف عن الملاحدة ومن ضاهاهم، ونفي ذلك تعطيل محض.
وأما قوله: (الكيفية تقتضي الكمية والشكل )، فإنه إن أراد أنها تستلزم ذلك فمعلوم أن الذين أثبتوا الكيفية إنما أرادوا الصفات التي تخصه كما تقدم، وإذا كان هذا مستلزما للكمية فهو الذي يذكره المنازعون أنه ما من موصوف بصفة إلا وله قدر يخصه، وأكثر أهل الحديث والسنة من أصحاب الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد رحمه الله وغيرهم لا ينفون ثبوت الكيفية في نفس الأمر؛ بل يقولون: لا نعلم الكيفية، ويقولون: لا تجري ماهيته في مقال، ولا تخطر كيفيته ببال؛ بل كما قال الشريف
أبو علي بن أبي موسى وأبو الفرج المقدسي وغيرهما وهو موافق لقول
[ ص: 389 ] السلف رضي الله عنهم والأئمة كما قالوا: (لا يعلم كيف هو إلا هو )، كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك: (الاستواء معلوم، والكيف مجهول ). وأمثال هذا كثير في كلامهم. ومنهم من ينفي ذلك ويقول: (لا ماهية له فتجري في مقال، ولا كيف فيخطر ببال )، وهذا قول
ابن عقيل وغيره، وهذا موافق لقول نفاة الصفات.