الوجه الرابع- أن
جميع العقلاء الذين خبروا كلام أرسطو وذويه في العلم الإلهي علموا أنهم من أقل الناس نصيبا في معرفة العلم الإلهي، وأكثر الناس اضطرابا وضلالا؛ فإن كلامه وكلام ذويه في الحساب والعدد ونحوه من الرياضيات مثل كلام بقية الناس، والغلط في ذلك قليل نادر، وكلامهم في الطبيعيات دون ذلك غالبه جيد، وفيه باطل. وأما كلامهم في الإلهيات ففي غاية الاضطراب مع قلته، فهو لحم جمل غث، على رأس جبل وعر، لا سهل فيرتقى، ولا سمين فينتقل
[ ص: 465 ] هو قليل، كثير الضلالة، عظيم المشقة، يعرفه كل من له نظر صحيح في العلوم الإلهية. فكيف يستدل بكلام مثل هؤلاء في العلم الإلهي وحالهم هذه الحال؟ !.
وهذا المصنف هو القائل (لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية فما رأيتها تشفي عليلا، ولا تروي غليلا، ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن )
[ ص: 466 ] هذا بمنزلة أن يستدل الرجل في مسائل الحلول والتثليث بكلام بطرس صاحب
[ ص: 467 ] الرسائل التي عند النصارى وهو ممن غير دين
المسيح وبدله، وقد اعترف أساطين الفلسفة بأن العلم الإلهي لا سبيل لهم إلى العلم واليقين فيه. وإنما يؤخذ فيه بالأولى والأخلق الأحرى. وممن ذكر ذلك عنهم صاحب هذا الكتاب
أبو عبد الله [ ص: 468 ] الرازي [في كتابه ] الذي سماه "المطالب العالية" فإذا كانوا معترفين بأنه ليس عندهم علم ولا يقين في العلم الإلهي كيف يستدل بكلامهم فيه؟ !