(الفصل الثاني في: أن
المجسم هل يوصف بأنه مشبه أم لا؟ قال
المجسمة: إنا وإن قلنا إنه جسم مختص بالحيز والجهة إلا أنا نعتقد أنه بخلاف سائر الأجسام في ذاته وحقيقته، وذلك يمنع من القول بالتشبيه، فإن إثبات المساواة في بعض الأمور لا يوجب إثبات التشبيه، ويدل على ذلك أنه تعالى صرح في كتابه بالمساواة في الصفات الكثيرة، ولم يقل أحد بأن ذلك يوجب التشبيه: فالأول: قال سبحانه وتعالى في صفة نفسه:
إنني معكما أسمع وأرى [طه: 46 ] وقال في صفة الإنسان:
[ ص: 501 ] فجعلناه سميعا بصيرا [الإنسان: 2 ].
والثاني: قال
واصنع الفلك بأعيننا [هود: 37 ] وقال في الإنسان:
ترى أعينهم تفيض من الدمع [المائدة: 83 ].
والثالث: قال:
بل يداه مبسوطتان [المائدة: 64 ] وفي الإنسان:
ذلك بما قدمت يداك [الحج: 10 ] وقال في نفسه:
مما عملت أيدينا أنعاما [يس: 71 ] وفي الإنسان:
يد الله فوق أيديهم [الفتح: 10 ].
الرابع: قال:
الرحمن على العرش استوى [طه: 5 ] وقال في الإنسان:
لتستووا على ظهوره [الزخرف: 13 ].
الخامس: قال في صفة نفسه:
العزيز الجبار [الحشر: 23 ] ووصف الخلق بذلك فقال إخوة
يوسف يا أيها العزيز [يوسف: 78 ] وقال:
كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار [غافر: 35 ].
[ ص: 502 ] السادس: سمى نفسه بالعظيم ثم وصف العرش به فقال:
رب العرش العظيم [النمل: 26 ].
السابع: وصف نفسه بـ(الحفيظ العليم ) ووصف
يوسف [نفسه ] بهما فقال:
إني حفيظ عليم [يوسف: 55 ] وقال:
فبشرناه بغلام حليم [الصافات: 101 ] وقال في آية أخرى
بغلام عليم [الذاريات: 28 ].
الثامن: سمى تحيتنا سلاما فقال:
تحيتهم يوم يلقونه سلام [الأحزاب: 44 ] وسمى نفسه سلاما، وكان يقول صلى الله عليه وسلم بعد فراغه من الصلاة:
nindex.php?page=hadith&LINKID=662646 "اللهم أنت السلام، ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام". [ ص: 503 ]
التاسع: المؤمن قال تعالى:
وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا [الحجرات: 9 ] ووصف نفسه تعالى به فقال:
السلام المؤمن [الحشر: 23 ].
العاشر: [الحكم ] فقال:
ألا له الحكم [الأنعام: 62 ] ووصفنا به، فقال:
فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها [النساء: 35 ].
الحادي عشر: الراحم الرحيم وهو ظاهر.
[ ص: 504 ]
الثاني عشر: الشكور فقال:
إن ربنا لغفور شكور [فاطر: 34 ].
الثالث عشر: العلي والإنسان يسمى بذلك منهم
nindex.php?page=showalam&ids=8علي -رضي الله عنه.
الرابع عشر: الكبير قال عن نفسه:
وهو العلي الكبير [سبأ: 23 ] وقال:
إن له أبا شيخا كبيرا [يوسف: 78 ] وقال حكاية عن المرأتين:
وأبونا شيخ كبير [القصص: 23 ].
والخامس عشر: الحكيم. والله تعالى وصف نفسه في كتابه به [فقال:
تنزيل من حكيم حميد ] [فصلت: 42 ].
السادس عشر: الشهيد، قال في حق الخلق:
فكيف إذا [ ص: 505 ] جئنا من كل أمة بشهيد [النساء: 41 ] وقال في حق نفسه
أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد [فصلت: 53 ].
السابع عشر [الحق ] قال الله تعالى:
فتعالى الله الملك الحق [طه: 114 ] وقال:
وبالحق أنزلناه وبالحق نزل [الإسراء: 105 ]
الملك يومئذ الحق للرحمن [الفرقان: 26 ]
ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق [الفرقان: 33 ] و
هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا [الفتح: 28 ].
الثامن عشر: الوكيل، قال تعالى:
وهو على كل شيء وكيل [الأنعام: 102 ]، وقد يوصف الخلق بذلك فيقال: فلان وكيل فلان.
التاسع عشر: المولى قال تعالى:
ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا، وأن الكافرين لا مولى لهم [محمد: 11 ] ثم قال تعالى في حقنا
ولكل جعلنا موالي [النساء: 33 ] والنبي صلى الله عليه وسلم
[ ص: 506 ] قال: "من كنت مولاه فعلي مولاه".
العشرون: الولي قال تعالى:
إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا [المائدة: 55 ] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة أنكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل ) وقال تعالى
والمؤمنون [ ص: 507 ] والمؤمنات بعضهم أولياء بعض [التوبة: 71 ].
الحادي والعشرون: الحي قال الله تعالى:
الله لا إله إلا هو الحي القيوم [آل عمران: 2 ]. وقال:
وجعلنا من الماء كل شيء حي [الأنبياء: 30 ].
الثاني والعشرون: [الواحد ] قال تعالى:
قل إنما هو إله واحد [الأنعام: 19 ] ويقع هذا الوصف على أكثر الأشياء فيقال: ثوب واحد، وإنسان واحد.
الثالث والعشرون: التواب، قال الله تعالى:
إن الله كان توابا رحيما [النساء: 16 ] وسمى الخلق به. فقال:
إن الله يحب التوابين [البقرة: 222 ].
[ ص: 508 ]
الرابع والعشرون: الغني. قال الله تعالى:
والله الغني [محمد: 38 ] وقال:
إنما السبيل على الذين يستأذنونك وهم أغنياء [التوبة: 93 ] وقال النبي صلى الله عليه وسلم:
nindex.php?page=hadith&LINKID=18275 "خذها من أغنيائهم وردها في فقرائهم".
الخامس والعشرون: النور. قال الله تعالى:
الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة [النور: 35 ] وقال:
يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم [الحديد: 12 ].
[ ص: 509 ]
السادس والعشرون: الهادي. قال تعالى:
ولكن الله يهدي من يشاء [القصص: 56 ] وقال:
إنما أنت منذر ولكل قوم هاد [الرعد: 7 ].
السابع والعشرون: المستمع. قال تعالى:
فاذهبا بآياتنا إنا معكم مستمعون [الشعراء: 15 ] وقال
لموسى :
فاستمع لما يوحى [طه: 13 ].
الثامن والعشرون: القديم. قال تعالى:
حتى عاد كالعرجون القديم [يس: 39 ].
قال: (واعلم أنه لا نزاع في أن
لفظ الموجود، والشيء، والواحد، والذات، والمعلوم، والمذكور، والعالم، والقادر، والحي، والمريد، والسميع، والبصير، والمتكلم، والباقي، واقع على الحق سبحانه وتعالى وعلى خلقه، فثبت بما ذكرناه أن المشابهة من بعض الوجوه لا توجب أن يكون قائله موصوفا
[ ص: 510 ] بأنه شبه الله بالخلق، وبأنه مشبه. ونحن لا نثبت المشابهة بينه وبين خلقه إلا في بعض الأمور والصفات، لأنا نعتقد أنه وإن كان جسما إلا أنه بخلاف سائر الأجسام في ذاته وحقيقته، فثبت أن إطلاق اسم
"المشبهة" على هذه الطائفة كذب وزور. وهذا جملة كلامهم في هذا الباب.
قال: (واعلم أن حاصل هذا الكلام من جانبنا أنا قد دللنا في القسم الأول من هذا الكتاب على أن الأجسام متماثلة في تمام الماهية، فلو كان الباري جسما لزم أن يكون مثلا لهذه الأجسام في تمام الماهية، وحينئذ فيكون القول بالتشبيه لازما [و ] لما لم يدل الدليل على أن الأشياء المتساوية في
[ ص: 511 ] الموجودية والعالمية والقادرية فإنه لا يجب تماثلها في تمام الماهية فظهر الفرق ).