ثم قال: ("الحجة الثالثة" هو أن تعين كل شيء من حيث إنه
[ ص: 521 ] هو ممتنع الحصول في غيره، وإلا لكان ذلك الشيء عين غيره، وذلك باطل في بدائه العقول، فثبت أن تعين كل شيء من حيث إنه هو ممتنع الحصول في غيره، فعلمنا أن
عدم النظير والمساوي لا يوجب القول بعدم الشيء ).
يقال: هذه الحجة أفسد من غيرها، وهي أيضا من أغلوطاته؛ فإنه لم يذكر فيها ما يدل على مطلوبه لوجوه: أحدها- أن
إثبات نظير الشيء وشبهه ومثله يقتضي أن يكون عين أحدهما ليس عين الآخر؛ إذ لو كانت عينه عينه لم يكن مثله ونظيره؛ بل كان هو إياه، وإذا كان نفس إثبات النظير يقتضي التغاير في التعيين صار وجود النظير مستلزما لامتناع كون أحدهما عين الآخر، وثبوت اللازم لا يقتضي عدم الملزوم فكون عين الشيء يمتنع أن يكون لغيره لا يقتضي نفي ذلك، كما لا يقتضي ثبوته، وإذا لم يكن مقتضيا لثبوت النظير ولا نفيه لم يكن فيه إلا عدم الدليل على وجوب النظير، وعدم الدليل ليس دليل العدم. فتبين أن ما ذكره لا يمنع وجوب النظير، كما
[ ص: 522 ] لا يوجب ثبوت النظير، ولكن غايته أنه لا يدل على ثبوت النظير.
لكن قد يقول هو: إذا كان تعينه يمتنع أن يكون لغيره فلا يقتضي وجود التعين وجوده ولا عدمه.
فيقال: هذه الحجة لم تفد غير ما هو معروف بدونها من أنه يمكن العقل أن يتصور وجود الشيء الذي ليس له نظير، وأن ذلك ممكن؛ فإن هذه الحجة ليس فيها إقامة دليل خاص على نفي الحاجة إلى النظير؛ وإنما غايتها وجود عين الشيء من غير نظير، ولو قال قائل: قد يكون وجود الشيء موقوفا على نظيره لكون وجوده مشروطا بوجود النظير أو وجود الغير كالأمور المتضايفة وأنتم لم تقيموا دليلا على نفي وجوب التلازم؛ فإنه ليس في حجته ما لا ينفي التلازم: لكان قوله صحيحا. لكن يقال: نحن نتصور إمكان وجوده بدون التلازم فلا حاجة إلى حجته.
يبين ذلك أنه يكون امتناع كون عين الشيء حاصلا في غيره يمنع وجوب الشبيه أو النظير؛ فإن ذلك يستلزم أن يكون إثبات الشيء مستلزما لعدمه، لأن إثبات التشابه والتناظر والتساوي يقتضي ثبوت التغاير في التعيين وأن عين أحدهما ليست عين الآخر، فلو كان هذا التغاير في التعيين مانعا من وجوب مشابه لكان لازم الشيء، بل بعض معناه مانعا من وجوبه، فإن اللازم
[ ص: 523 ] لا يمنع وجوب الملزوم، ولا يوجب وجوده.