فصل
قال الرازي: ("المقدمة الثالثة" أن
القائلين بأنه تعالى جسم اختلفوا: فمنهم من يقول: إنه على صورة الإنسان، ثم المنقول عن مشبهة الأمة أنه على صورة إنسان شاب، وعن مشبهة اليهود أنه على صورة إنسان شيخ، وهؤلاء لا يجوزون الانتقال والذهاب والمجيء على الله تعالى. وأما المحققون من
المشبهة فالمنقول عنهم أنه على صورة نور من الأنوار ).
قال: (وذكر
أبو معشر المنجم أن سبب إقدام الناس
[ ص: 525 ] على اتخاذ عبادة الأوثان دينا لأنفسهم هو أن القوم في الدهر الأقدم كانوا على مذهب
المشبهة، وكانوا يعتقدون أن إله العالم نور عظيم، فلما اعتقدوا ذلك اتخذوا وثنا هو أكبر الأوثان على صورة الإله، وأوثانا أخرى أصغر من ذلك الوثن على صورة الملائكة، واشتغلوا بعبادة هذه الأوثان على اعتقاد أنهم يعبدون الإله والملائكة. فثبت أن دين عبادة الأصنام كالفرع على مذهب
المشبهة.
واعلم أن كثيرا من هؤلاء يمنع من جواز
الحركة والسكون على الله تعالى. وأما
الكرامية فهم لا يقولون بالأعضاء والجوارح؛ بل يقولون إنه مختص بما فوق العرش. ثم
[ ص: 526 ] إن هذا المذهب يحتمل وجوها ثلاثة؛ فإنه تعالى إما أن يقال: إنه ملاق للعرش، وإما أن يقال: إنه مباين عنه ببعد متناه. وإما أن يقال: إنه مباين ببعد غير متناه، وقد ذهب إلى كل واحد من هذه الأقسام الثلاثة طائفة من
الكرامية. واختلفوا أيضا في أنه تعالى مختص بتلك الجهات لذاته أو لمعنى قديم، بينهم اختلاف في ذلك ).