وقد ذكر
أبو محمد الحسن بن موسى النوبختي في كتاب "الآراء والديانات" وهو ممن يذهب مذهب
[ ص: 560 ] المعتزلة في توحيدهم وعدلهم. فقال في كتابه: ("باب
قول الموحدين والمشبهين " زعمت
المعتزلة بأجمعها
والخوارج بأسرها وأكثر
الزيدية وكثير من
الشيع والمرجئة سوى أصحاب الحديث من
أهل الإرجاء: أن الله ليس بجسم، ولا صورة، ولا جوهر، ولا جزء، ولا عرض؛ وليس يشبه شيئا من ذلك.
وقال
هشام بن الحكم، وعلي بن منصور، ومحمد بن [ ص: 561 ] الخليل السكاك، ويونس بن عبد الرحمن، ومن قال بقولهم من
الشيع: إن الله تعالى جسم لا كالأجسام. هذه جملة اجتمع
هشام بن الحكم وأصحابه عليها، فاجتمعت حكاية المخالفين لهذا القول عنه إلا ما أومأ إليه
"الراوندي" في كتابه الذي احتج به لمذهب
هشام في الجسم فزعم أنه تعالى وتقدس يشبه الخلق من جهة دون جهة، والذي صح عندي من قول
هشام بعد ذلك عمن وافقه من أصحابه بعد في الحكاية عنه أنه كان يزعم أن الله تعالى بعد حدوث الأماكن في مكان دون مكان، وأنه يجوز أن يتحرك، وسمعت قوما من أصحابه يحكون عنه أنه يزعم أنه نور، وقال آخرون منهم إنه كان يزعم أنه متناهي الذات. واختلف
[ ص: 562 ] الحاكون من مخالفي
هشام عن
هشام فحكوا عنه ضروبا من الأقاويل مختلفة لا تليق به، وما رأيت أصحابه يدفعونها عنه. فمن ذلك أن
nindex.php?page=showalam&ids=13974الجاحظ ذكر عن النظام أن
هشاما قال في التشبيه في سنة واحدة خمسة أقاويل، قطع في آخرها أن معبوده بشبر نفسه سبعة أشبار وحكى
أبو عيسى الوراق في كتابه
[ ص: 563 ] على
المشبهة عن كثير من مخالفي
هشام أنه كان يزعم أن القديم على هيئة السبيكة، وقال بعضهم: إنه على هيئة البلورة الصافية المستوية الاستدارة التي من حيث أتيتها رأيتها على هيئة واحدة. وحكى بعضهم: كما قلت: إنه سبعة أشبار. قال: وحكى بعضهم: أنه ذو صورة، وحكوا عنه غير ذلك أيضا مما رأيت أصحاب
هشام يدفعونه عنه وينكرونه،
[ ص: 564 ] ويزعمون أنه لم يزد على قوله جسم لا كالأجسام، وإنما أراد بذلك إثباته، وأنه نور لقوله تعالى:
الله نور السماوات والأرض [النور: 35 ] وينفون عنه المساحة والذرع والشبر والتحديد. قال: وسمعت ذلك من غير واحد منهم ممن ينتحل القول بالجسم وناظرونا به، وقد وجدت الأمر على ما حكاه
الوراق من ذلك، وقد أضاف قوم القول بالجسم إلى
أبي جعفر الأحول المعروف "بشيطان الطاق" الذي يسميه [ ص: 565 ] أصحابه "مؤمن الطاق" واسمه محمد بن النعمان، وإلى
هشام بن سالم المعروف بالجواليقي، وإلى
أبي مالك الحضرمي، قال: وليس من هؤلاء أحد جرد القول بالجسم، ولكنهم كانوا يقولون هو نور على صورة الإنسان، وينكرون قول القائل بالجسم، فقاس من حكى ذلك عنهم عليهم، وحكى من طريق القياس، إذ كان الحاكي لذلك يعتقد أن الصور لا تكون إلا للأجسام فغلط عليهم، وكذا غلط كثير من أهل الكلام، وذكر أن
هشام بن سالم وأبا جعفر الأحول أمسكا بعد قولهما بالصورة عن الكلام في الله تعالى. رجعا إلى تأويل آية
[ ص: 566 ] من القرآن فرويا عمن يوجبان تصديقه أنه سئل عن قول الله تعالى:
وأن إلى ربك المنتهى [النجم: 42 ] قال: "فإذا بلغ الكلام إلى الله فأمسكوا" فأمسكا عن الكلام في ذلك والخوض فيه حتى ماتا، وأقام على القول بالصورة من أقام عليه من أتباعهما ) قال
النوبختي: (وأقول: إن هذا الذي ذكره
الوراق قد روي، وقد رأيت نفرا من أصحاب
هشام بن سالم يزعمون أنه لم يزل يناظر على القول بالصورة إلى أن مات ).
قال
أبو عيسى: وأما
علي بن إسماعيل بن ميثم فإن
[ ص: 567 ] أصحابه ومخالفيه مختلفون في الإخبار عنه، فبعضهم يزعم أنه كان يقول بالجسم والصورة، وبعضهم يزعم أنه كان لا يقول بالصورة، وبعضهم يزعم أنه كان يقول بالصورة ولا يقول بالجسم. قال: ولا ثبت عندي في
ابن ميثم أنه قال بالصورة ولا بالجسم.
قال
"أبو عيسى" في هذا الباب: وقد حكى ذلك لي كثير من المتكلمين أن
nindex.php?page=showalam&ids=17131مقاتل بن سليمان ونعيم بن حماد المصري وداود الجواربي في خلق كثير من العامة وأصحاب الحديث قالوا: الله تعالى صورة وأعضاء، قال
أبو عيسى: وبلغني عن
داود الجواربي أنه قال: أعفوني عن الفرج
[ ص: 568 ] واللحية واسألوني عما وراء ذلك، أو قال عما شئتم، وقد حكى كثير من المتكلمين عن
داود ومقاتل أنهما قالا إن معبودهم جسم ولحم ودم، له جوارح وأعضاء من يد ورجل ولسان ورأس وعينين وهو مع ذلك لا يشبه غيره ولا يشبهه غيره، وحكى عن
الجواربي حكاية أخرى أنه كان يقول: إنه أجوف من فمه إلى صدره ومصمت ما سوى ذلك، وذكر أن
nindex.php?page=showalam&ids=17131مقاتل بن سليمان كان يأبى هذا القول الأخير.
وحكى
"إبراهيم النظام" في كتابه عن
المشبهة أن قوما لا أدري هم من الملة أم ليسوا من الملة زعموا أن معبودهم جسم فضاء، وأن الأجسام كلها فيه، وحكى أن آخرين قالوا: هو فضاء وليس بجسم، لأن الجسم يحتاج إلى مكان وهو نفسه المكان. وحكى
nindex.php?page=showalam&ids=13974 "الجاحظ" في كتابه عن
المشبهة أن
[ ص: 569 ] بعضهم قال: هو جسم في مكانه، إلا أنه فاضل عن الأماكن، خلا أن له نهاية لازمة. قال:
وزعم بعضهم أنه ذاهب في الجهات الست لا إلى نهاية وهو ليس بجسم، وهذا أيضا قول ما علمت أن أحدا من أهل الصلاة قال به، ولا كان شيء منه، وهذه أقاويل أهل الملة ).