اعلم أنه غير ممتنع حمل الخبر على ظاهره وأن ثقله يحصل بذات الرحمن؛ إذ ليس في ذلك ما يحيل صفاته، قال على طريقته في مثل ذلك: لأنا لا نثبت ثقلا من جهة المماسة والاعتماد والوزن؛ لأن ذلك من صفات الأجسام، ويتعالى عن ذلك، وإنما نثبت ذلك صفة لذاته لا على وجه المماسة، كما قال الجميع: إنه عال على الأشياء لا على وجه التغطية لها، وإن كان في حكم الشاهد بأن العالي على الشيء يوجب تغطيته.
قال: وقيل إنه تتجدد له صفة يثقل بها على العرش ويزول في حال كما تتجدد له صفة الإدراك عند خلق المدركات، وتزول عند عدم المدركات، فإن قيل ذلك محمول على ثقل عظمته وهيبته في قلوبهم وما يتجدد لهم في بعض الأحوال من
[ ص: 273 ] ذكر عظمته وعزته كما يقال: الحق ثقيل مر، وليس المراد به ثقل الأجسام، وقال سبحانه:
إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا [المزمل 5].
قال
القاضي: قيل هذا غلط؛ لأن الهيبة والتعظيم مصاحب لهم في جميع أحوالهم ولا يجوز مفارقتها لهم؛ ولهذا قال سبحانه:
يسبحون الليل والنهار لا يفترون [الأنبياء 20]، وما ذكره من قول القائل: الحق ثقيل، وكلام فلان ثقيل، فإنما لم يحمل على ثقل ذات؛ لأنها معان والمعاني لا توصف بالثقل والخفة، وليس كذلك هنا؛ لأن الذات ليست معاني ولا أعراضا، فجاز وصفها بالثقل، وأما قوله تعالى:
إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا [المزمل 5] فقد فسره أهل النقل أن المراد به ثقل الحكم، ولأن الكلام ليس بذات.
قال: فإن قيل يحمل على أنه يخلق في العرش ثقلا على كواهلهم وجعل لذلك أمارة لهم في بعض الأحوال إذا قام المشركون، قيل: هذا غلط؛ لأنه يفضي إلى أن يثقل عليهم بكفر
[ ص: 274 ] المشركين ويخفف عنهم بطاعة المطيعين، وهذا لا يجوز؛ لما فيه من المؤاخذة بفعل الغير، وليس كذلك إذا حملناه على ثقل الذات؛ لأنه لا يفضي إلى ذلك؛ لأن ثقل ذاته عليهم تكليف لهم، وله أن يثقل عليهم في التكليف ويخفف.
قلت: المقصود هنا التنبيه على
أصل كلام الناس في ذلك.