[ ص: 280 ] قال
الرازي: الحجة الثالثة عشرة: لو كان مستقرا على العرش لكان الابتداء بتخليق العرش أولى من الابتداء بتخليق السموات؛ لأنه على القول بأنه مستقر على العرش يكون العرش مكانا له والسموات مكان عبيده، والأقرب إلى العقول أن تكون تهيئة مكان نفسه مقدما على تهيئة مكان العبيد، لكن من المعلوم أن تخليق السموات مقدم على تخليق العرش؛ لقوله تعالى:
إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش [الأعراف 54].
وكلمة "ثم" للتراخي.
قلت: الحمد لله
الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا ، والحمد لله الذي جعل لرسوله منه سلطانا نصيرا، والحمد لله الذي ينصر رسله والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد ينصرهم بسلطان الحجة وسلطان القدرة وهو الذي يؤتي رسله
[ ص: 281 ] والمؤمنين به حجة على من خالفهم وجادلهم فيه بالباطل، كما قال:
وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال [الرعد 13] فإن هذا الرجل وأمثاله لا يحتجون بحجة إلا وهي عليهم لا لهم، لكن يزيد فيهم ذلك من يكون الله قد أيده بروح منه وكتب في قلبه الإيمان وجعل في قلبه من نور يفهم دقيق ذلك، وأما جليله فيفهمه جمهور الناس، وهذه من جليل ذلك؛ وذلك أنه
لا خلاف بين المسلمين وأهل الكتاب أن العرش خلق قبل السموات والأرض .
الوجه الأول: فقول هذا المحتج لو كان مستقرا على العرش لكان الابتداء بتخليق العرش أولى من الابتداء بتخليق السموات لا يضرهم بل ينفعهم؛ فإن الأمر في الترتيب
[ ص: 282 ] ذلك ما كان، وقول
المثبتة يستلزم تقديم خلق العرش، فهكذا وقع ولله الحمد وإن لم يكن مستلزما هذا الترتيب بطلت هذه الحجة فهي باطلة على التقديرين.
وأما قوله لكن من المعلوم أن تخليق السموات مقدم على تخليق العرش، فيقال: هذا لم يعلمه أحد لا من الأولين ولا من الآخرين ولا قاله أحد يعرف بالعلم.
وأما احتجاجه على تقدم خلق السموات بقوله :
إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش [الأعراف 54] وكلمة "ثم" للتراخي، فهنا إنما ذكر أنه استوى على العرش بعد خلق السموات والأرض، فأين قوله :
ثم استوى على العرش [الأعراف 54] من قوله ثم خلق العرش؟ فهذا لا يخفى على أحد فليس في كتاب الله ما يوهم تأخر خلق العرش فضلا عن أن يدل؛
فلا دلالة في القرآن على خلق السموات قبل العرش .