بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
فإن قالوا: فإذا أثبتم لله يدين؛ لقوله سبحانه وتعالى : لما خلقت بيدي [ص 75] فلم لا أثبتم له أيدي؛ لقوله سبحانه : مما عملت أيدينا [يس 71]، قيل لهم: [ ص: 351 ] قد أجمع على بطلان قول من قال ذلك، فوجب أن يكون الله عز وجل ذكر أيدي، ورجع إلى إثبات يدين؛ لأن الدليل قد دل على صحة الإجماع، وإذا كان الإجماع صحيحا وجب أن يرجع من قوله أيدي إلى يدين؛ لأن القرآن على ظاهره [ ص: 352 ] ولا يزول عن ظاهره إلا بحجة فوجدنا حجة أولنا بها ذكر الأيدي على الظاهر إلى ظاهر آخر، ووجب أن يكون الظاهر الآخر على حقيقة لا يزول عنها إلا بحجة.

فإن قال قائل: إذا ذكر الله الأيدي وأراد يدين، فما أنكرتم أن يكون ذكر الأيدي ويريد به يدا واحدة، قيل له: ذكر الله عز وجل أيدي وأراد يدين لأنهم أجمعوا على [ ص: 353 ] بطلان قول من قال أيدي كثيرة، وقال: من قال يد واحدة، فقلنا: يدان؛ لأن القرآن على ظاهره إلا أن تقوم حجة بأن يكون على خلاف ظاهره.

فإن قال قائل: ما أنكرتم أن يكون قوله تعالى : مما عملت أيدينا [يس 71] على المجاز؟ قيل له: حكم كلام الله على ظاهره وحقيقته، ولا يخرج الشيء عن ظاهره إلى المجاز إلا بحجة، ألا ترون أنه إذا كان ظاهر الكلام عموم، فإذا ورد بلفظ العموم والمراد به الخصوص فليس على حقيقة الظاهر، وليس يجوز أن يعدل بما ظاهره العموم بغير حجة، فكذلك قوله عز وجل : خلقت بيدي [ص 75] على ظاهره من إثبات الأيدي، ويجوز أن يعدل به عن [ ص: 354 ] ظاهر اليدين إلى ما ادعاه خصومنا بغير حجة، فلو كان ذلك جائزا لجاز لمدع أن يدعي أن ما ظاهره العموم فهو على الخصوص وما ظاهره الخصوص فهو على العموم بغير حجة، وإذا لم يجز هذا لمدعيه بغير برهان لم يجز لكم ما ادعيتموه وأنه محال أن يكون مجازا بغير حجة، بل واجب أن يكون لما خلقت بيدي [ص 75] إثبات يدين لله تعالى في غير نعمتين؛ إذ كانت النعمتان لا يجوز عند أهل اللسان أن يقول قائلهم: فعلت بيدي، وهو يعني نعمتي.

التالي السابق


الخدمات العلمية