وأيضا لم لا يجوز أن يكون غير منقسم ويكون في غاية الصغر، قوله إنه حقير، وذلك على الله محال؟ قلت: الذي لا يمكن أن يشار إليه ولا يحس به يكون كالعدم فيكون أشد حقارة، فإذا جاز هذا فلم لا يجوز ذلك؟!
والجواب عن الأول أن نقول إنه إذا كان عظيما فلابد وأن يكون منقسما، وليس هذا من باب قياس الغائب على الشاهد، بل هذا بناء على البرهان القطعي؛ وذلك لأنا
[ ص: 428 ] إذا أشرنا إلى نقطة لا تنقسم فإما أن يحصل فوقها شيء آخر أو لا يحصل، فإن حصل فوقها شيء آخر كان ذلك الفوقاني مغايرا له؛ إذ لو جاز أن يقال إن هذا المشار إليه عينه لا غيره جاز أن يقال هذا الجزء عين ذلك الجزء فيفضي إلى تجويز أن الجبل شيء واحد أو جزء لا يتجزأ مع كونه جبلا، وذلك شك في البديهات، فثبت أنه لابد من التزام التركيب والانقسام، وإما أن لا يحصل فوقها شيء آخر ولا على يمينها ولا على يسارها ولا من تحتها فحينئذ يكون نقطة غير منقسمة وجزءا لا يتجزأ، وذلك باتفاق العقلاء باطل، فثبت أن هذا ليس من باب قياس الشاهد على الغائب، بل هو مبني على التقسيم الدائر بين النفي والإثبات.
قال: واعلم أن
الحنابلة القائلين بالتركيب والتأليف
[ ص: 429 ] أسعد حالا من هؤلاء
الكرامية؛ وذلك لأنهم اعترفوا بكونه مركبا من الأجزاء والأبعاض، وأما هؤلاء
الكرامية فزعموا أنه يشار إليه بحسب الحس وزعموا أنه غير متناه، ثم زعموا أنه مع ذلك واحد لا يقبل القسمة ولا جرم صار قولهم على خلاف بديهة العقل، أما قولهم الذي لا يحس ولا يشار إليه أشد حقارة من الجزء الذي لا يتجزأ قلنا كونه موصوفا بالحقارة إنما يلزم لو كان له حيز ومقدار حتى يقال إنه أصغر من غيره، أما إذا كان منزها عن الحيز والمقدار فلم يحصل بينه وبين غيره مناسبة في الحيز والمقدار، فلم
[ ص: 430 ] يلزم وصفه بالحقارة.
يقال: هذه الحجة مع كل من قال إنه فوق العرش، وقال مع ذلك إنه غير مؤلف ولا مركب ممن يثبت له معنى الجسم كمن ذكره من
الكرامية وممن ينفي عنه معنى الجسم
كالكلابية وأئمة
الأشعرية ومع كل طائفة ممن يوافقها من
الفقهاء والصوفية وغيرهم، وإن كان
عامة أهل السنة وأئمة الدين وأهل الحديث لا يقولون هو جسم ولا يقولون ليس بجسم وهو قد نصها، وهي أيضا مع من نقل عنه أنه يوصف بالتركب والتأليف يرجع إلى قوله والكلام عليها من وجوه.