[ ص: 469 ] الوجه الثاني أن قوله من ينفي الجوهر يقول إن كل ما كان يشار إليه بحسب الحس بأنه هاهنا أو هناك فلابد لأن يتميز أحد جانبيه عن الآخر، وذلك يوجب كونه منقسما إنما يريد هؤلاء بكونه منقسما أنه يمكن أن يتميز في نفسه بعضه عن بعض أو يتميز منه شيء عن شيء أو العقل يميز منه شيئا من شيء، وليس لهذا التميز حد يوقف عنده، لا يقولون إن فيه انقساما غير هذا بل يقولون إنه واحد في نفسه كما أنه واحد في الحس ويقولون إن الجسم منقسم إلى بسيط وإلى مركب وأما مثبتوه فلهم قولان أحدهما أنه أيضا واحد في نفسه وفي الحس ولكنه قسمته تنتهي إلى حد، والثاني أن
[ ص: 470 ] فيه أجزاء موجودة.
فالمشار إليه بحسب الحس يفضي إلى الأمرين جميعا، بل على أنه إن كان منقسما كما ذكر لم يفض إلى شيئين، بل غايته أن يفضي إلى ما ذكره من التركيب الذي تقدم الكلام عليه وإن لم يكن منقسما، وذلك عنده لا يكون إلا على مثبتة الجوهر الفرد أفضى إلى أن يكون في غاية الحقارة، وهذا الجوهر الفرد إما أن يكون منتفيا في نفس الأمر، وإما أن يكون ثابتا فلا يقول العاقل إن رب العالمين بقدره فلم يبق ما يقال إلا ما ذكره من
الانقسام والتركيب، وقد تقدم الكلام عليه وثبت أنه لا يفضي إلى هذين الأمرين جميعا، بل إنما يفضي إن أفضى إلى أحدهما فقط لكن يفضي إلى هذا على تقدير وإلى هذا على تقدير آخر، فظهر أن كونه يشار إليه بالحس لا يفضي إلى الأمرين اللذين ذكرهما وإنما يفضي إن أفضى إلى أحدهما فقط .