فإن نفاة كونه على العرش لا يعرف منهم إلا من هو مأبون في عقله ودينه عند الأمة، وإن كان قد تاب من ذلك، بل غالبهم أو عامتهم حصل منهم نوع ردة عن الإسلام، وإن كان منهم من عاد إلى الإسلام كما ارتد عنه قديما شيخهم الأول
nindex.php?page=showalam&ids=15658جهم بن صفوان وبقي أربعين يوما شاكا في ربه
[ ص: 473 ] لا يقر بوجوده ولا يعبده، وهذه ردة باتفاق المسلمين، وكذلك ارتد هذا
الرازي حين أمر بالشرك وعبادة الكواكب والأصنام، وصنف في ذلك كتابه المشهور وله غير ذلك بل من هو أجل منه من هؤلاء بقي مدة شاكا في ربه غير مقر بوجوده حتى آمن بعد ذلك، وهذا كثير غالب فيهم، ولا ريب أن هذا أبعد العالمين عن العقل والدين، فإذا كان هؤلاء يناظرون ويخاطبون ويستعد لرد قولهم الباطل لما احتيج إلى ذلك، فالذين هم أولى بالعقل والدين منهم أولى منهم بذلك.
ونحن نورد من كلامهم ما تبين به أن جانبهم أقوى من جانب النفاة وليس لنا غرض في تقرير ما جمعوه من النفي والإثبات في هذا المقام، بل نبين أنهم في ذلك أحسن حالا من نفاة أنه على العرش فيما جمعوه من النفي والإثبات، وقد أجاب
[ ص: 474 ] هؤلاء عما ألزمهم به النفاة من التجسيم الذي هو التركيب والانقسام؛ كقول
القاضي أبي بكر.
فإن قيل: فما الدليل على أن لله وجها ويدا، قيل: قوله:
ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام [الرحمن 27] وقوله:
ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي [ص 75] فأثبت لنفسه وجها ويدا، فإن
[ ص: 475 ] قال: فما أنكرتم أن يكون وجهه ويده جارحة؛ إذ كنتم لا تعقلون وجها ويدا إلا جارحة، قلنا: لا يجب هذا كما لا يجب إذا لم يعقل حيا عالما قادرا إلا جسما أن نقضي نحن وأنتم بذلك على الله، ولا يجب في كل شيء كان قائما بنفسه أن يكون
[ ص: 476 ] جوهرا لأنا وإياكم لم نجد قائما بنفسه في شاهدنا إلا كذلك.
قال: وكذلك الجواب لهم إن قالوا: فيجب أن يكون علمه وحياته وكلامه وسمعه وبصره وسائر صفاته عرضا واعتلوا بالوجود.
فإن قال قائل: أتقولون إنه في كل مكان؟ قيل له: معاذ الله! بل هو مستو على عرشه كما أخبر في كتابه، فقال:
الرحمن على العرش استوى [طه 5] .
وقال:
إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه [فاطر 10] .
وقال:
أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور [الملك 16]
[ ص: 477 ] قال: ولو كان في كل مكان لكان في بطن الإنسان وفمه والحشوش والمواضع التي يرغب عن ذكرها، ولوجب أن يزيد بزيادة الأماكن إذا خلق منها ما لم يكن وينقص بنقصانها إذا بطل ما كان ولصح أن يرغب إليه إلى نحو الأرض وإلى خلفنا وإلى يميننا وإلى شمالنا، وهذا قد أجمع المسلمون على خلافه وتخطئة قائله.