الوجه الرابع: قوله عن المنازع لم لا يجوز أن يقال إنه تعالى وحده منزه عن التأليف والتركيب، ومع كونه كذلك فإنه يكون عظيما.
قوله العظيم يجب أن يكون منقسما، وذلك ينافي
[ ص: 480 ] كونه واحدا، قلنا: سلمنا أن العظيم يجب أن يكون منقسما في الشاهد فلم قلتم إنه يجب أن يكون في الغائب كذلك فإن قياس الغائب على الشاهد من غير جامع باطل؟
والجواب عن الأول أن نقول إنه إذا كان عظيما فلابد وأن يكون منقسما، وليس هذا من باب قياس الغائب على الشاهد بل هذا بناء على البرهان القطعي؛ وذلك لأنا إذا أشرنا إلى نقطة لا تنقسم فإما أن يحصل فوقها شيء آخر أو لا يحصل، فإن حصل فوقها شيء آخر كان ذلك الفوقاني مغايرا له؛ إذ لو جاز أن يقال إن هذا المشار إليه عينه لا غيره جاز أن يقال هذا الجزء عين ذلك الجزء فيفضي إلى تجويز أن الجبل شيء واحد.
[ ص: 481 ] يقال له: هؤلاء قد يقولون لا هو عينه ولا هو غيره كما عرف من أصولهم أن غير الشيء ما جاز مفارقته له وأن صفة الموصوف وبعض الكل لا هو هو ولا هو غيره، فطائفة هذا المؤسس هم ممن يقولون بذلك وحينئذ فلا يلزم إذا لم يكن عينه أن يكون مغايرا له فلا يفضي إلى تجويز أن الجبل شيء واحد، وإذا جاز أن يقولوا إن هذا الموصوف الذي له صفات متعددة هو واحد غير متكثر ولا مركب ولا ينقسم جاز أيضا أن يقال إن الذي له قدر هو واحد غير متكثر ولا مركب ولا ينقسم، وإن كان في الموضعين يمكن أن يشار إلى شيء منه فلا يكون المشار إليه هو عين الآخر.
فإن قيل: فهذا يقتضي أن يكون كل جسم غير مركب ولا منقسم، والغرض في هذا السؤال وخلافه؛ فإن هذا السؤال فرق فيه بين العظيم الشاهد والعظيم الغائب وأن الشاهد منقسم بخلاف الغائب.
[ ص: 482 ] قيل هذا الجواب هو مبني على أن غير الشيء ما جاز مفارقته له، وكل مخلوق فإن الله سبحانه قادر على أن يفرق بعضه عن بعض، وإذا جاز مفارقة بعضه لبعض جاز أن يكون بعضه مغايرا لبعض، كما أن علمه وقدرته لما كان قيامه به جائزا لا واجبا كان عرضا، أي عارضا للموصوف لا لازما له،
والرب تعالى لا يجوز أن يفارقه شيء من صفاته الذاتية، ولا يجوز أن يتفرق بل هو أحد صمد، إذا كان كذلك لم يلزم عند هؤلاء أن يكون بعضه مغايرا لبعض كما أصلوه .