الوجه العاشر: قوله أن نقول إذا كان عظيما فلابد وأن يكون منقسما، وليس هذا من باب قياس الغائب على الشاهد، بل بناء على البرهان
[ ص: 496 ] القطعي، وهو ما ذكره من التقسيم.
فيقال له:
كل برهان قطعي يستعملونه في حق الله تعالى فلابد وأن يتضمن نوعا من قياس الغائب على الشاهد؛ فإنهم إنما يمكنهم استعمال
القياس الشمولي الذي هو القياس
[ ص: 497 ] المنطقي الذي لابد فيه من قضية كلية، سواء كانت القضية جزئية حملية أو كانت شرطية متصلة تلازمية أو كانت شرطية منفصلة عنادية تقسيمية، فإنه إذا قيل: الواحد لا يصدر
[ ص: 498 ] عنه إلا واحد، وقيل: لو كان يشار إليه بالحس لكان إما منقسما أو غير منقسم، أو لو كان فوق العرش لكان إما كذا وإما كذا ولكان جسما أو غير ذلك، فلابد في جميع ذلك من قضية كلية وهو أن كل واحد بهذه المثابة وأن كل ما كان مشارا إليه بالحس لا يخرج عن القسمين، وأن كل ما كان فوق شيء فإما أن يكون كذا وكذا، ولابد أن يدخلوا الله تعالى في هذه القضايا العامة الكلية ويحكمون عليه حينئذ بما يحكمون به على سائر الأفراد الداخلة في تلك القضية، ويشركون بينها وبينه في ذلك. ومشاركته لتلك الأفراد في ذلك الحكم المطلق والمعلق على شرط ومشابهته لها في ذلك هو القياس بعينه.
[ ص: 499 ] ولهذا لما
تنازع الناس في مسمى القياس فقيل: قياس الشمول أحق بذلك من قياس التمثيل كما يقوله
ابن حزم وطائفة، وقيل: بل قياس التمثيل أحق باسم القياس من قياس الشمول كما يقوله
أبو حامد وأبو محمد المقدسي وطائفة.
[ ص: 500 ] وقيل: بل اسم القياس يتناول القسمين جميعا حقيقة. كان هذا القول أصوب. فما من أحد يقيس غائبا بشاهد إلا ولابد أن يدخلهما في معنى عام كلي كما في سائر أقيسة التمثيل. وما من أحد يدخل الغائب والشاهد في قياس شمول تحت قضية كلية إلا ولابد أن يشرك بينهما ويشبه أحدهما بالآخر في ذلك.