فقول القائل: لو كان عظيما مشارا إليه لكان منقسما؛ لأنا لا نعلم عظيما مشارا إليه إلا كذلك أو لا نعقل عظيما مشارا إليه إلا كذلك. هو كقوله لأن كل عظيم فإذا أشرنا فيه إلى نقطة فإما أن تكون هي ما فوقها وتحتها أو لا تكون هي ذلك، فإنه
[ ص: 501 ] في الموضعين لابد أن يتصور عظيما مطلقا مشارا إليه ويشرك بين العظيم الشاهد المشار إليه وبين العظيم الغائب المشار إليه في ذلك، لكن قوله (لا يعقل) أبلغ من قوله (لا نعلم) أو (لم نشهد)؛ لأن قوله (لا نعلم) أو (لم نشهد) إنما ينفي ما قد علمه وشهده دون ما لم يعلمه ويشهده بعد. وقوله لا (يعقل) ينفي أن يكون معقولا في وقت من الأوقات، ومتى لم يعقل العظيم المشار إليه إلا كذلك،
فالبرهان الشمولي إنما هو بناء على ما تصوره المستدل به وعقله في معنى العظيم المشار إليه؛ فإن فرضية النقطة في ذلك العظيم المشار إليه، وقوله إما أن تكون هي الأخرى أو تكون إنما فرض ذلك وقدره فيما عقله وعلمه فارتسم في ذهنه وهو الذي يعقله من معنى العظيم المشار إليه فإن جاز أن يثبت الغائب على
[ ص: 502 ] خلاف ما يعقل بطل هذا البرهان وكان لمنازعه أن يثبت واحدا عظيما مشارا إليه منزها عن التركيب وإن كان ذلك على خلاف ما يعقل من معنى العظيم المشار إليه، وإن كان لا يثبت الغائب إلا على ما يعقل بطلت مقدمة الكتاب وبطل قوله إثبات موجود لا داخل العالم ولا خارجه وبإثبات موجودين ليس أحدهما متصلا بالآخر ولا منفصلا عنه.
وهذا كلام في غاية الإنصاف لمن فهمه فإنا لم نقل إن هذا البرهان باطل لكن قلنا صحة مثل هذا البرهان يستلزم صحة مذهب الذي يقول إنه خارج العالم ويمتنع وجود موجود لا داخل العالم ولا خارجه، فإن كان البرهان صحيحا صح قوله إنه فوق العرش وإن كان البرهان باطلا لم يدل على أنه ليس فوق العرش
[ ص: 503 ]