يوضح ذلك الوجه الثاني عشر: هو أن علوه وكونه فوق العرش هو صفة من صفاته سبحانه وتعالى،
والعلم والقول في صفات الموصوف يتبع العلم والقول في ذاته، فإن كان مثل هذا الدليل حجة في صفاته نفيا وإثباتا كان حجة مثل حجة في ذاته نفيا وإثباتا؛ لأن العلم بالصفة دون العلم بالموصوف محال.
فإذا قال: لو كان فوق العرش لكان منقسما مركبا مؤلفا، فإنما هو حكم على ذاته بأنها لا تكون فوق العرش إلا إذا كانت منقسمة مركبة مؤلفة، والعلم بذلك ليس أظهر في العقل من العلم بأنه إذا كان موجودا لم يكن إلا داخل العالم
[ ص: 506 ] أو خارجه؛ فإن جميع ما ذكره من الحجج في معارضة قولهم إذا كان موجودا إما أن يكون داخل العالم، وإما أن يكون خارجه هو بعينه. يقال في قوله: إذا كان فوق العرش مشارا إليه فإما أن يكون منقسما وإما أن يكون حقيرا.
بل تلك يقال فيها إنا نعلم بالاضطرار أنه فوق العالم، ونعلم بالاضطرار أنه يمتنع أن يكون لا داخل العالم ولا خارجه ولا يشار إليه. فهاتان قضيتان معينتان ونعلم بالاضطرار أن الموجودين فإما أن يكون أحدهما داخلا في الآخر بحيث هو كالعرض في الجسم وإما أن يكون مباينا عنه ونعلم بالاضطرار أن وجود موجود لا يكون داخلا في الآخر ولا خارجا عنه محال، فهذان علمان عامان مطلقان. فإن جاز دفع هذه بأن يقال حقيقة الرب على خلاف ما يعقل من
[ ص: 507 ] الحقائق وأمره ثابت على خلاف حكم الحس والخيال، فقول القائل إذا كان فوق العرش فإما أن يكون منقسما مركبا وإما أن يكون بقدر الجوهر الفرد أولى بالدفع أن يقال حقيقة الرب على خلاف ما يعقل من الحقائق وأمره ثابت على خلاف حكم الحس والخيال، وكون الشيء الذي فوق غيره والذي يشار إليه بالحس لابد أن يكون منقسما أو حقيرا هو من حكم الحس والخيال قطعا.