يقرر ذلك الوجه الثالث عشر: وهو أنك وسائر
الصفاتية تثبتون
رؤية الرب بالأبصار كما تواترت بذلك النصوص عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم إنك وطائفة معك تقولون إنه يرى لا في جهة ولا مقابلا للرائي ولا فوقه ولا في شيء من جهاته الست، وجمهور عقلاء بني
آدم من مثبتة
الصفاتية ونفاتها يقولون إن فساد هذا معلوم بالبديهة والحس، ومن المعلوم أن كونه فوق
[ ص: 508 ] العرش غير منقسم ولا حقير أظهر للعقل من كونه مرئيا بالأبصار لا في شيء من الجهات الست، فإن هذا مبني على أصلين كلاهما تدفعه بديهة العقل والفطرة.
أحدهما إثبات موجود لا في شيء من الجهات ولا داخل العالم ولا خارجه؛ ولهذا كان عامة سليمي الفطرة على إنكار ذلك.
والثاني: إثبات رؤية هذا بالأبصار، فإن هذا يخالفك فيه من وافقك على الأول، فإن كونه موجودا أيسر من كونه مرئيا، فإذا كنت تجوز رؤية شيء بالأبصار لا مقابل للرائي ولا في شيء من جهاته الست، فكيف تنكر وجود موجود فوق العالم وليس بمركب ولا بجزء حقير؟! وهو إنما فيه إثبات وجوده على خلاف الموجود المعتاد من بعض الوجوه، وذلك فيه إثباته على خلاف الموجود المعتاد من وجوه أعظم من ذلك.
ودليل ذلك أن جميع فطر بني
آدم السليمة تنكر ذلك أعظم
[ ص: 509 ] من إنكار هذا وأن المخالفين لك في ذلك أعظم من المخالفين لك في هذا، فإن
كون الرب فوق العالم أظهر في فطر الأولين والآخرين من كونه مرئيا، بل العلم بالرؤية عند كثير من المحققين إنما هو سمعي محض أما
العلم بأنه فوق العالم فإنه فطري بديهي معلوم بالأدلة العقلية، وأما دلالة النصوص عليه فلا يحصيها إلا الله.