وما وقع في هذا من الغلط يكشفه الوجه الرابع عشر: هو أن
معرفة القلوب وإقرارها بفطرة الله التي فطرها عليها أن ربها فوق العالم، ودلالة الكتاب والسنة على ذلك وظهور ذلك في خاصة الأمة وعامتها، وكلام السلف في ذلك أعظم من كونه تعالى يرى بالأبصار يوم القيامة، أو أن رؤيته بالأبصار جائزة.
ويشهد لهذا أن
الجهمية أول ما ظهروا في الإسلام في أوائل المائة الثانية وكان حقيقة قولهم في الباطن تعطيل هذه الصفات كلها كما ذكر ذلك الأئمة لا يصفونه إلا بالسلوب المحضة التي لا تنطبق إلا على المعدوم، وقد ذكر هذا
[ ص: 510 ] المؤسس أن
nindex.php?page=showalam&ids=15658جهما ينفي الأسماء كلها أن تكون معانيها ثابتة لله تعالى، وكانوا في الباطن ينكرون أن يرى أو أن يتكلم بالقرآن أو غيره أو يكون فوق العرش أو أن يكون موصوفا بالصفات التي جاءت بها الكتب وعلمت بدليل من الدلائل العقلية وغيرها لكن ما كانوا يظهرون من قولهم للناس إلا ما هو
[ ص: 511 ] أبعد عن أن يكون معروفا مستيقنا من الدين عند العامة والخاصة وأقرب إلى أن يكون فيه شبهة، ولهم فيه حجة، ويكونون فيه أقل مخالفة لما يعلمه الناس من الحجج الفطرية والشرعية والقياسية وغير ذلك، فهذا شأن كل من أراد أن يظهر خلاف ما عليه أمة من الأمم من الحق إنما يأتيهم بالأسهل الأقرب إلى موافقتهم، فإن شياطين الإنس والجن لا يأتون ابتداء ينقضون الأصول العظيمة الظاهرة فإنهم لا يتمكنون ومما عليه العلماء أن مبدأ الرفض كان من الزنادقة
[ ص: 512 ] المنافقين، ومبدأ التجهم كان من الزنادقة المنافقين بخلاف رأي
الخوارج والقدرية فإنه إنما كان من قوم فيهم إيمان لكن جهلوا وضلوا.