ولهذا لما نبغت
القرامطة الباطنية وهم يتظاهرون بالتجهم والرفض جميعا وهم في الباطن من أعظم بني
آدم كفرا وإلحادا حتى صار شعارهم الملاحدة عند الخاص والعام وهم كافرون بما جاءت به الرسل مطلقا ومن أعظم الناس منافقة لجميع الناس من أهل الملل المسلمين واليهود
[ ص: 513 ] والنصارى، وغير أهل الملل وضعوا الرأي الذي لهم والتدبير على سبع درجات سموا آخرها البلاغ الأكبر والناموس الأعظم، وكان من وصيتهم لدعاتهم أن المسلمين إذا أتيتهم فلا تأت هؤلاء الذين يقولون الكتاب والسنة؛ فإنهم صعاب عليك لا يستجيبون لك، ولكن ائتهم من جهة التشيع فأظهر الموالاة لآل
محمد والتعظيم لهم والانتصار لهم والمعاداة لمن ظلمهم، واذكر من ظلم الأولين لهم ما أمكن، فإن ذلك يوجب أن يستجيب لك خلق عظيم، وبذلك يمكنك القدح في دينهم أخيرا. ثم ذكر درجات دعوته درجة
[ ص: 514 ] درجة كيف تدرج الناس فيها بحسب استعدادهم وموافقتهم له بما يطول وصفه هنا
[ ص: 515 ] وإنما الغرض التنبيه على أن
دعاة الباطل المخالفين لما جاءت به الرسل يتدرجون من الأسهل والأقرب إلى موافقة الناس إلى أن ينتهوا إلى هدم الدين. وهذا مما يفعله بعض أهل الحق أيضا في دعوة الناس إلى الحق شيئا بعد شيء بحسب ما تقتضيه الشريعة وما يناسب حاله وحال أصحابه.
[ ص: 516 ] وإذا كان كذلك
فالجهمية الذين كان باطن أمرهم السلب والتعطيل لما نبغوا لم يكونوا يظهرون للناس إلا ما هو أقل إنكارا عليهم فأظهروا القول بأن القرآن مخلوق وأظهروا القول بأن الله يرى وكانت مسألة القرآن عندهم أقوى؛ ولهذا أفسدوا من أفسدوه من ولاة الأمور في إمارة
أبي العباس الملقب بالمأمون وأخيه
أبي إسحاق المعتصم [ ص: 517 ] والواثق جعلوا هذه المسألة يمتحنون بها الناس
[ ص: 518 ] وأظهروا أن مقصودهم إنما هو توحيد الله تعالى وحده؛ لأنه هو الخالق وكل ما سواه مخلوق وأن من جعل شيئا ليس هو الله تعالى وقال إنه غير مخلوق فقد أشرك، وقال بقول النصارى ونحو ذلك، فصار كثير ممن لم يعرف حقيقة أمرهم يظن أن هذا من الدين ومن تمام التوحيد فضلوا وأضلوا وكانوا يتظاهرون بأن الله لا يرى لكن لم يجعلوا هذه المسألة المحنة لأنه لا يظهر فيها من شبهة التوحيد العامة بما يظهر في أن كل ما سوى الله مخلوق.