الوجه الثاني: أن يقال لا نسلم أن كل ما يسمى حيزا وجهة فهو أمر وجودي، بل قد يقال إن
المسمى بالجهة والحيز منه ما يكون وجوديا وهو الأمكنة الوجودية؛ مثل داخل العالم فإن الشمس والقمر والأفلاك والأرض والحجر والشجر ونحو هذه الأشياء كلها في أحياز وجودية ولها جهات وجودية
[ ص: 604 ] وهو ما فوقها وما تحتها ونحو ذلك. ومنه ما يكون عدميا مثل ما وراء العالم؛ فإن العالم إذا قيل إنه في حيز أو جهة فليس هو في جهة وجودية وحيز وجودي؛ لأن ذلك الوجودي هو من العالم أيضا، والكلام في جهة جميع المخلوقات وحيزها، ولأن ذلك يفضي إلى التسلسل وهو لم يقم دليلا على أن كل ما يسمى حيزا وجهة فهو أمر وجودي، وإذا لم يثبت ذلك لم يجب أن يقال إن الباري إذا كان في حيز وجهة كان في أمر وجودي؛ وذلك لأن الأدلة التي ذكرها إنما تدل لو دلت على وجود تلك الأمور المعينة المسماة بالحيز والجهة، فلم قلت: إن كل ما يسمى بالحيز أو الجهة يكون موجودا ؟!
الوجه الثالث: أن يقال: لا نسلم أن الحيز لا يطلق إلا على المعدوم ولا يطلق على الموجود بحال، وهذا قول كثير من المتكلمين الذين يفرقون بين الحيز والمكان ويقولون:
[ ص: 605 ] العالم في حيز وليس في مكان، وما في العالم في مكان. والحيز عندهم هو تقدير المكان بمنزلة ما قبل خلق العالم ليس بزمان، ولكنه تقدير الزمان، وإذا كان أمرا مقدورا ومفروضا لا وجود له في نفسه بطل ما ذكره لكن يحتاج على الجواب عن وجوهه الثلاث: