فأما الوجه الأول: فإنه احتجاج بقول المنازع له: إنه يجب أن يكون الله في جهة الفوق، ويمتنع حصوله في سائر الجهات، فإن كان قول المخالف حقا، فقد صح مذهبه الذي تستدل على إبطاله، ولم تسمع منه الدلالة على ذلك، وإن كان باطلا لم يدل على أن الحيز أمر وجودي، فعلى التقديرين لا تكون هذه الحجة مقبولة؛ لأنها إما أن تكون باطلة أو تكون مستلزمة لصحة قول المنازع.
فإن قال: أنا ألزم المنازع بها، قيل له: فغاية ما في الباب أن تكون حجة جدلية احتججت فيها بكذب خصمك، وهذا لا يكون برهانا قاطعا على أن
الحيز أمر وجودي.
ثم يقال لك أنت: من أين تعلم أو تفيد الناس الذين يسترشدون منك ولا يتقلدون مذهبا أن الحيز أمر وجودي؟! فإن
[ ص: 606 ] كنت تعلم ذلك وتعلمه لقول خصمك لزم صحته وبطل مذهبك وإن لم تحتج بقول خصمك الذي تدفعه عنه بطلت هذه الحجة أن تكون طريقا لك إلى العلم أو إلى التعليم والإرشاد، وكان غايتها ذكر تناقض الخصم، وللخصم عنها أجوبة لا نحتاج إلى ذكرها هنا.