وأما قوله في الوجه الثالث: إن
الجوهر إذا انتقل من حيز [ ص: 607 ] إلى حيز، فالمتروك مغاير لا محالة للمطلوب؛ فيقال إن كان الانتقال في أجسام العالم الموجودة، فهذه أمور وجودية. وإن كان فيما ليس كذلك فلا نسلم أن هناك شيئا يكون متروكا ومطلوبا أصلا بل الأحياز الموجودة، قد لا يكون المنتقل فيها طالبا لحيز دون حيز، بل قصده شيء آخر، فكيف يجب أن يكون كل منتقل ومتحرك طالبا لحيز وجودي يكون فيه وتاركا لحيز وجودي انتقل عنه .
الوجه الرابع: أن يقال لا ريب أن
الجهة والحيز من الأمور التي فيها إضافة ونسبة؛ فإنه يقال هذا جهة هذا وحيزه والجهة أصلها .
الوجه الذي يتوجه إليها الشيء كما يقال عدة ووعد وزنة ووزن وجهة ووجهة والوجهة من ذلك، كما قال تعالى:
ولكل وجهة هو موليها [البقرة 148]، وأما الحيز فإنه فيعل من حازه يحوزه إذا جمعه وضمه، وتحيز: تفيعل كما أن يحوز يفعل، كما قال تعالى:
[ ص: 608 ] ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة [الأنفال 16]، فالمقاتل الذي يترك مكانا وينتقل إلى آخر لطائفة تفيء إلى العدو فاجتمع إليها وانضم إليها فقد تحيز إليها.
وإذا كان كذلك فالجهة تضاف تارة على المتوجه إليها كما يقال في الإنسان له ست جهات؛ لأنه يمكنه التوجه إلى النواحي الست المختصة به التي يقال إنها جهاته والمصلي يصلي إلى جهة من الجهات؛ لأنه يتوجه إليها، وهنا تكون الجهة ما يتوجه إليها المضاف وتارة تكون الجهة ما يتوجه منها المضاف كما يقول القائل إذا استقبل
الكعبة هذه جهة
الكعبة، وكما يقول وهو
بمكة: هذه جهة
الشام وهذه جهة
اليمن وهذه جهة المشرق وهذه جهة المغرب، كما يقال هذه ناحية
الشام وهذه ناحية
اليمن. والمراد هذه الجهة والناحية التي يتوجه منها أهل
الشام وأهل
اليمن.