وأما قوله أيضا في الجواب: قد بينا بالبراهين القاطعة أن الأحياز أشياء موجودة فلا يبقى في
[ ص: 661 ] صحتها شك. فيقال له: قد تبين أن هذه من أضعف الشبه مع أنك مبطل لها كما تقدم. ثم ما ذكرته في نهايتك في ذلك منقوض عليك في العالم، فما كان جوابك فيه كان جواب منازعك هنا؛ فإنك ضربت لله أمثالا أوجبت فيها أنه محتاج مع وصفك لمن هو دونه بالغنى عما جعلته محتاجا إليه.
ويكفيك ضلالا أنك لو أشركت بالله وجعلته مثل المخلوقات لنجوت من هذا الضلال الذي أوجبت فيه حاجة رب العالمين إلى غيره إذا كان فوق العالم، بل هذه الحال التي سلكتها أسوأ من حال المشركين في هذا المقام؛ حيث أغنيت المخلوق عما أحوجت إليه الخالق
هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش [الحديد 4].
ومثله في هذه المناظرة كما وقع بين اثنين واحد من المثبتة الذين يثبتهم الله بالقول الثابت وآخر من النفاة، قال النافي للمثبت: إذا قلتم إن الله فوق العالم أو فوق العرش لزم أن يكون محتاجا إلى العرش أو يكون محمولا له محتاجا إليه
[ ص: 662 ] كما إذا كان أحدنا على السطح، فقال له المثبت: السماء فوق الأرض وليست محتاجة إليها، وكذلك العرش فوق السموات وليس محتاجا إليها، فإذا كان كثير من الأمور العالية فوق غيرها ليس محتاجا إليها؛ فكيف يجب أن يكون خالق الخلق الغني الصمد محتاجا إلى ما هو عال عليه وهو فوقه مع أنه هو خالقه وربه ومليكه وذلك المخلوق في بعض مخلوقاته مفتقر في كل أموره إليه؟! فإذا كان
المخلوق إذا علا على كل شيء غني عنه لم يجب أن يكون محتاجا إليه فكيف يجب على الرب إذا علا على كل شيء من مخلوقاته وذلك الشيء مفتقر إليه أن يكون الله محتاجا إليه ؟!