فإن قيل: فأحد العرضين مباين الآخر بحقيقته مع اتفاق محلهما.
فيقال : الوجه الثاني والثلاثون: وهو أن
كل شيئين قائمين [ ص: 666 ] بأنفسهما لا يباين أحدهما الآخر إلا بالجهة؛ وذلك أن
الموجودات كلها الواجب والممكن إما قائم بنفسه وإما قائم بغيره؛ فالقائمات بأنفسها لا تتميز بعضها عن بعض إلا بالجهة، وأما القائم بغيره فإنه تبع في الوجود للقائم بنفسه.
يوضح ذلك أن القائم بغيره هو محتاج إلى محل ومكان.
وأيضا فقد يقال: الأعراض نوعان أحدهما ما لا تشترط له الحياة، وهو قسمان:
أحدهما: الأكوان، وهي الحركة والسكون والاجتماع والافتراق؛ فهذه لا تتميز وتتباين إلا بالجهة والحيز وإن كان تبعا للمحل؛ فلا يفرق بين الحركة والسكون ولا بين الاجتماع والافتراق إلا بالحيز والجهة، فإن الحركة انتقال في حيز بعد حيز، والسكون دوام في حيز واحد،
[ ص: 667 ] والاجتماع يكون بتلاقي الحيزين، والافتراق يكون بتباينهما.
والثاني: الطعوم والألوان والروايح، وهذه هي الصفات. فهذه الأمور لا تدرك بشيء واحد، بل تتميز بحواس مختلفة؛ فالذي يتميز به هذا غير الذي يتميز به هذا، فحقائقها لا تظهر إلا بإدراكها، وإدراكها من أجناس في أحياز متباينة، فامتياز الأحياز التي لإدراكاتها تقوم مقام امتياز أحيازها.
والقسم الثاني: ما تشترط له الحياة كالعلم والقدرة والسمع والبصر؛ فهذه أيضا متباينة قد يحصل بين آثارها من تباين المحال ما يقوم مقام تباين محالها، وقد يقال: هذه الأعراض كلها مفروضة الإضافة إلى الغير، وذلك الغير الذي هي مضافة إليه متباين بجهته، فهي متباينة بالإضافة إلى ما تتباين جهته، وظهر أنه ليس في الموجودات ما يباين غيره بمجرد حقيقته المجردة عن الجهة
[ ص: 668 ] من كل وجه، بل لابد من شيء يظهر تحصل به .