وأما القسم الثاني: وهو القول بأن أحد الجانبين مخالف للجانب الثاني في الحقيقة والماهية، فنقول أن هذا محال من وجوه:
الأول: أن هذا يقتضي كون ذاته مركبة، وهو باطل كما بينا.
الثاني: أنا بينا أنه لا معنى للمتحيز إلا الشيء الممتد في
[ ص: 681 ] الجهات المختص بالأحياز، وبينا أن المقدار يمتنع أن يكون صفة بل يجب أن يكون ذاتا، وبينا أنه متى كان الأمر كذلك كانت جميع المتحيزات متساوية، وإذا كان كذلك امتنع القول بأن أحد جانبي ذلك الشيء مخالف للجانب الآخر في الحقيقة والماهية.
وأما القسم الثالث: وهو أن يقال: إنه متناه من كل الجوانب؛ فهذا أيضا باطل من وجهين:
أحدهما: أن كل ما كان متناهيا من جميع الجوانب كانت حقيقته قابلة للزيادة والنقصان، وكل ما كان كذلك كان محدثا على ما بيناه.
الثاني: أنه لما كان متناهيا من جميع الجوانب؛ فحينئذ يفرض فوقه أحياز خالية وجهات فارغة، فلا يكون هو تعالى فوق جميع الأشياء، بل تكون تلك الأحياز أشد فوقية من الله.
وأيضا فهو تعالى قادر على خلق الجسم في الحيز الفارغ، فلو فرض حيز خال لكان قادرا على أن يخلق فيه جسما، وعلى
[ ص: 682 ] هذا التقدير يكون هذا الجسم فوق الله تعالى، وذلك عند الخصم محال، فثبت أنه لو كان في جهة لم يخل الأمر عن أحد هذه الأقسام الثلاثة، وثبت أن كل واحد منها باطل محال، فكان
القول بأن الله تعالى في الحيز والجهة محال.
فإن قيل: ألستم تقولون إنه غير متناه في ذاته، فيلزمكم جميع ما ألزمتمونا؟