[ ص: 791 ] فصل
قال
الرازي: البرهان الرابع على أنه يمتنع أن يحصل في
الجهة والحيز هو أنه لو حصل في شيء من الجهات والأحياز لكان إما أن يحصل مع وجوب أن يحصل فيه أولا مع وجوب أن يحصل فيه، والقسمان باطلان، فكان القول بأنه تعالى حاصل في الجهة محالا، وإنما قلنا إنه يمتنع أن يحصل فيه مع الوجوب لوجوه:
الأول: أن ذاته مساوية لذوات سائر الأجسام من كونه حاصلا في الحيز، ممتدا في الجهة، وإذا أثبت التساوي من هذا الوجه ثبت التساوي في تمام الذات على ما بيناه في البرهان الأول في نفي كونه جسما. وإذا ثبت التساوي مطلقا فكل ما صح على أحد المتساويين وجب أن يصح على الآخر، ولما لم يجب في سائر الذوات حصولها في ذلك الحيز وجب أن
[ ص: 792 ] لا يجب في تلك الذات حصولها في ذلك الحيز، وهو المطلوب.
الثاني: أنه لو وجب حصوله في تلك الجهة، وامتنع حصوله في سائر الجهات لكانت تلك الجهة مخالفة في الماهية لسائر الجهات؛ فحينئذ تكون الجهات شيئا موجودا؛ فإذا كان الله واجب الحصول في الجهة أزلا وأبدا التزموا قديما آخر مع الله تعالى في الأزل، وذلك محال.
الثالث: أنه لو جاز في شيء مختص بجهة معينة أن يقال اختصاصه بتلك الجهة واجب جاز أيضا ادعاء أن بعض الأجسام في حيز معين على سبيل الوجوب؛ بحيث يمتنع خروجه عنه، وعلى هذا التقدير لا يتمشى دليل حدوث الأجسام في ذلك؛ فثبت أن القائل بهذا القول لا يمكنه الجزم بحدوث كل الأجسام، بل يلزمه تجويز أن يكون بعضها قديما.
الرابع: هو أنا نعلم بالضرورة أن
الأحياز بأسرها متساوية؛ لأنها فراغ محض وخلاء صرف، وإذا كانت بأسرها
[ ص: 793 ] متساوية يكون حكمها واحدا، وذلك يمنع القول بأن الله تعالى واجب الاختصاص ببعض الأحياز على التعيين.