[ ص: 795 ] وأما القسم الثاني: وهو أن يقال إنه تعالى حصل في الحيز مع جواز كونه حاصلا فيه، فنقول إن هذا محال؛ لأنه لو كان كذلك لما ترجح وجود ذلك الاختصاص إلا بجعل جاعل وتخصيص مخصص، وكل ما كان كذلك فالفاعل يتقدم عليه فيلزم أن لا يكون حصول ذات الله في الحيز أزليا؛ لأن ما تأخر عن الغير لا يكون أزليا، وإذا كان في الأزل مبرءا عن الموضع والحيز امتنع أن يصير بعد ذلك مختصا بالحيز، وإلا لزم وقوع الانقلاب في ذاته تعالى وهو محال.
والكلام على هذه الحجة على قول من يطلق
الحيز والجهة ومن لا يطلق ذلك على مذهب مثبتة الجسم ونفاته مع قولهم: إنه على العرش سواء؛ فإنه يمكن أن يقال: لو كان فوق العرش أو كان عاليا على العرش لكانت فوقيته وعلوه إما واجبا وإما جائزا وساق الحجة، والجواب عنها أن يعرف أن لفظ الحيز والجهة ونحو ذلك فيه اشتراك كما تقدم. فقد يراد به شيء
[ ص: 796 ] منفصل عن الله كالعرش والغمام، وقد يراد به ما ليس منفصلا عنه، كما ذكرنا أن لفظ الحيز والحد في المخلوقات يراد به ما ينفصل عن المحدود ويحيط به، ويراد به نهاية الشيء وجوانبه فإن كلاهما يجوزه.