وقد يراد بالحيز أمر عدمي، وهو ما يقدر فيه الأجسام، وهو المعروف من لفظ الحيز عند المتكلمين الذين يفرقون بين لفظ الحيز والمكان، فيقولون: الحيز تقدير المكان وكذلك الجهة قد يعنى بها أمر وجودي منفصل عنه، فقد يعنى بها ما لا يقتضي موجودا غيره، بل يكون إما أمرا عدميا وإما نسبيا وإضافيا. وإذا كان في الألفاظ اشتراك فمن مسمى ذلك ما يكون واجبا، ومنه ما يكون جائزا. والاستفصال يكشف حقيقة الحال، وحينئذ فالكلام عليها من وجوه:
الأول: أن يقال ما تعني بقولك لو حصل في شيء من
الجهات والأحياز لكان إما أن يحصل مع الوجوب أو مع عدم الوجوب؟ أتعني بالحيز ما هو من لوازم المتحيز وهي نهايته وحده الداخل في مسماه أم تريد بالحيز شيئا موجودا
[ ص: 797 ] منفصلا عنه كالعرش؟ وكذلك الجهة، أتريد بالجهة أمرا موجودا منفصلا عنه أم تريد بالجهة كونه بحيث يشار إليه، ويمكن الإحساس به، وإن لم يكن هناك موجود غيره؟ فإن أراد بالحيز المعنى الأول، وهو ما هو من لوازم كل متحيز، وإن أراد بالجهة كونه يشار إليه من غير وجود شيء منفصل عنه لم نسلم أن ذلك غير واجب، وبهذا التفصيل يظهر الجواب عما ذكره من الوجوه.
أما قوله: يجب في سائر الذوات حصولها في ذلك الحيز، فكذلك هذا، فيقال له: بل يجب في سائر الذوات المتحيزة أن يكون لكل منها تحيز يخصه وهو قدره ونهايته التي تحيط به، ويلزمه الحيز الذي هو تقدير المكان وهو عدمي، لكن لا يجب أن يكون عين تحيز هذا وعين حيزه الذي هو نهايته، كما لا يجب أن يكون عين هذا هو عين الآخر؛ فإن حيزه بهذا التفسير داخل في مسمى ذاته ونفسه وعينه، والشيئان المتماثلان لا يجب أن يكون أحدهما عين الآخر؛ فإن هذا لا يقوله عاقل، وهذا معلوم بالاضطرار لا نزاع فيه، هذا لو سلم أن الأجسام متماثلة؛ فكيف وقد تقدم أن هذا قول باطل.