وأما قوله: إذا كان في الأزل مبرءا عن الموضع والحيز امتنع أن يصير بعد ذلك مختصا بالحيز، وإلا لزم الانقلاب في ذاته، يقال له: هذا ممنوع؛ فإنه إذا كان في الأزل مبرءا عن حيز وجودي؛ كالعرش والغمام، ثم صار بعد أن
[ ص: 802 ] خلق العرش والعالم فوقه لم يكن ممتنعا؛ فإن تجدد النسب والإضافات عليه جائز باتفاق العقلاء، وأما إن قيل إن الاستواء فعل وأنه استوى عليه بعد أن لم يكن مستويا كما هو المعروف من مذاهب السلف وأهل الحديث؛ فهذا مبني على
مسألة الحركة وحلول الحوادث، وقد تقدم كلامه بأن هذا لم يقم دليل عقلي على نفيه، وأن جميع الطوائف يلزمهم القول به، وليس ذلك انقلاب في ذات الله بحال كما تقدم.
وهو إنما ادعى لزوم الانقلاب؛ لأنه أخذ لفظ الحيز بالاشتراك، فقدر أنه يصير متحيزا بعد أن لم يكن متحيزا، ومعلوم أن هذا يوجب انقلاب ذاته؛ فإن ضرورة صير المتحيز متحيزا توجب الانقلابات، لكن هذا التحيز هو القسم الأول وهو
التحيز اللازم للمتحيز الذي يمتنع انفصاله عنه. والمراد بالحيز في هذا المتحيز إما أمر عدمي أو إضافي أو المراد به جوانب المتحيز ونهايته، فلو كان في الأزل مبرءا عن هذا ثم صار موصوفا به لزم الانقلاب ونظيره في المخلوقات أن يصير ما ليس بجسم جسما، وهذا عند قوم ممتنع، وعند قوم قد
[ ص: 803 ] يقلب الله الأعراض أجساما، وذلك انقلاب بلا نزاع، أما إذا أريد بالحيز أمرا موجودا منفصلا عنه فلا يلزم بكونه فوقه وعليه أن تنقلب ذاته بوجه من الوجوه.