[ ص: 76 ] فصل
قال الرازي: " البرهان السابع أنه تعالى لو كان مختصا بالجهة والحيز لكان عظيما، لأنه ليس في العقلاء من يقول إنه مختص بجهة، ومع ذلك فإنه في الحقارة مثل النقطة التي لا تنقسم، ومثل الجزء الذي لا يتجزأ، بل كل من قال إنه مختص بالجهة والحيز قال إنه عظيم في الذات. وإذا كان كذلك فنقول: الجانب الذي منه يحاذي يمين العرش إما أن يكون هو الجانب الذي منه يحاذي يسار العرش أو غيره والأول باطل لأنه إذا عقل ذلك فلم لا يعقل أن يقال: إن يمين العرش عين يسار العرش، حتى يقال: العرش على عظمته مثل الجوهر الفرد، والجزء الذي لا يتجزأ، وذلك لا يقوله عاقل. والثاني باطل لأن على هذا التقدير تكون ذات الله مركبة من الأجزاء، ثم تلك الأجزاء إما أن تكون متماثلة الماهية أو مختلفة الماهية، والأول محال؛ لأن على هذا التقدير تكون بعض تلك الأجزاء
[ ص: 77 ] المتماثلة متباعدة وبعضها متلاقية والمثلان يصح على كل واحد منهما ما يصح على الآخر، فعلى هذا يلزم القطع بأنه يصح على المتلاقيين أن يصيرا متباعدين، وعلى المتباعدين أن يصيرا متلاقيين، وذلك يقتضي جواز الاجتماع والافتراق على الله وهو محال.
والقسم الثاني وهو أن يقال إن تلك الأجزاء مختلفة في الماهية، فنقول: كل جسم مركب من أجزاء مختلفة في الماهية فلا بد وأن ينتهي تحليل تركيبه إلى أجزاء يكون كل واحد منها مبرأ عن التركيب؛ لأن التركيب عبارة عن اجتماع الوحدات، ولولا حصول الوحدات لما عقل اجتماعها.
إذا ثبت هذا فنقول إن كل واحد من تلك الأجزاء البسيطة لا بد وأن يماس كل واحد منها بيمينه شيئا ويساره شيئا آخر لكن يمينه مثل يساره وإلا لكان هو نفسه مركبا وقد فرضناه
[ ص: 78 ] غير مركب وهذا خلف. وإذا ثبت أن يمينه مثل يساره، وثبت أن المثلين لا بد وأن يشتركا في جميع اللوازم: لزم القطع بأن ممسوس يمينه يصح أن يصير ممسوس يساره وبالعكس، ومتى صح ذلك التفرق والانحلال عن تلك الأجزاء فحينئذ يعود الأمر إلى جواز الاجتماع والافتراق على ذات الله، وهو محال فثبت أن
القول بكونه في جهة من الجهات يفضي إلى هذه المحالات فيكون القول به محالا".