وهذا كما يذكر عن
أبي الهذيل العلاف أنه قال: دخلت دار النظر وفيها يهودي قد ناظر قوما من المتكلمين في نبوة النبي صلى الله عليه وسلم فقال لهم: ألستم توافقوني على أن
موسى رسول الله؟ فقالوا: بلى. قال: وأنا أخالفكم على أن
محمدا رسول الله، والمتفق على نبوته خير من المختلف في نبوته أو نحو هذا
[ ص: 102 ] الكلام، قال: فقلت: تعال ناظرني، قال: قد انقطع شيوخك معي، فقلت: ناظرني، فأعاد حجته، فقلت له: من
موسى الذي وافقتك على نبوته؟
أموسى بن عمران الذي أنزل الله عليه التوراة التي فيها خبر
محمد صلى الله عليه وسلم،
وموسى الذي بشر
بمحمد صلى الله عليه وسلم وأخذ الله عليه الميثاق ليؤمنن به ولينصرنه، وأخذ الميثاق على قومه ليؤمنن به ولينصرنه- قال
أبو الهذيل: أو نحو هذا الكلام؟ أم
موسى الذي قال: تمسكوا بالسبت ما دامت السموات والأرض، وذكر أن شريعته لا تنسخ أبدا، أما الأول فإني أوافقك على نبوته، ونبوته مستلزمة لنبوة
محمد صلى الله عليه وسلم، وأما الثاني فلا أؤمن به ولا أوافقك على نبوته.
ومثل هذا كثير في المناظرة..
وقد ذكر هذا المؤسس
أبو عبد الله الرازي في " نهايته " أنه لا يجوز الاحتجاج بهذه الإلزامات كما تقدم بيانه، وهو
[ ص: 103 ] الاحتجاج بموافقته على مقدمة لمأخذ إن سلمت ذلك المأخذ بطل الاحتجاج بالمقدمة، وإن لم تسلم المأخذ منعت المقدمة.
وهكذا الأمر هنا، فإن المنازع الذي يسلم لك أنه لا يجوز الافتراق والانحلال عليه إنما سلم لك ذلك،
لأنه صمد يجب أن يكون سيدا مجتمعا، ويمتنع أن يكون متفرقا. فإن كان هذا المأخذ صحيحا بطل احتجاجك بذلك على امتناع كونه مجتمعا، وإن كان هذا المأخذ فاسدا لم يكن قد سلم لك امتناع الافتراق عليه، فلا ينفعك هذا التسليم لا في النظر ولا في المناظرة، وكان له أن يقول: أنا لا أسلم لك امتناع الافتراق عليه لوجوب كونه صمدا، والصمد يوجب الاجتماع. وإن فرض أنه لا يقتضي الاجتماع فهو لا ينفي الافتراق أو لا ينفي الاجتماع والافتراق جميعا، فإن أحدا من الناس لا يمكنه أن يدعي أن هذا الاسم يدل على نفي الاجتماع والافتراق جميعا، أو على نفي الافتراق وحده إلا بناء على أن المجتمع يفتقر إلى أجزائه أو نحو ذلك مما تقدم الكلام عليه، وأما القياس فلم يذكر حجة على امتناع الافتراق عليه، فظهر أن هذا الذي ذكره ليس بحجة أصلا، وهذا يتقرر: