ومما يوضح هذا أن عامة هذه
الحجج التي احتج بها على نفي كونه جسما ونفي كونه على العرش مثل تماثل الأجسام وتماثل الجواهر، ومثل كون الجسم المتناهي يقبل الزيادة والنقصان ويكون ممكنا، ومثل كون الجسم مركبا إما تركيب الصفات وإما تركيب المقادير مثل كون الصفة الواحدة لا تقوم بالجسم، ومثل كون الجسم لا يخلو عن الحركة والسكون، ومثل كون تحيز الجسم أمرا وجوديا أو أمرا عدميا، ومثل كون الجسم أو البعد لا بد وأن يكون متناهيا أو غير متناه، ومثل كون علو بعض الأجسام يستلزم أن يكون تحت قوم، ومثل أن الجسم يجوز عليه الافتراق والانحلال، ومثلما يأتي من كون الجهة
[ ص: 108 ] أعلى من الشيء، بل جميع ما يتكلمون به في هذا الباب من لفظ المتحيز والتحيز والجهة، والجسم والجوهر والاجتماع والافتراق والحركة والسكون سواء تكلموا به في صفات الباري نفيا وإثباتا، أو تكلموا به في المخلوقات وصفاتها نفيا وإثباتا، أو في أدلة حدوثها وإمكانها، أو غير ذلك: كل هذه الأمور إنما هو كلام في الجسم وأحكام الجسم وما يتبع ذلك.
فإن كان هذا الكلام والعقل الذي به يعرف مثل هذا الكلام غير مقبول في العلم الإلهي بطل جميع ما ذكره
الفلاسفة والمتكلمون جميعا مما يتعلق بهذا، وإذا بطل لم يصح أن ينفوا بمثل هذا الكلام لما علم بالفطرة ولا ما دلت عليه الشرعة، وهذا من أعظم المقاصد، وحينئذ فلا يصح قولهم: إنه ليس بجسم ولا متحيز، ولا في جهة، وأنه ليس فوق العالم يشار إليه.
[ ص: 109 ] وإن كان مثل الكلام والعقل الذي به ينظر في الأجسام وصفاته مقبولا في العلم الإلهي بطلت مقدمته كلها، وكان من أعظم العلوم في العقل أن
الباري فوق العالم، وأنه يمتنع أن يكون لا داخل العالم ولا خارجه، بل يمتنع أن يكون شيء من الموجودات كذلك كما تقدم، وهذا بين، ولله الحمد والمنة.